عن التوجه إلى القبلة
يولد الإنسان غير معروف المصير، ويولد غير معروف الوجهة، ويولد قادراً على التزكي أو التدسي، ويولد بمقعدين: أحدهما في الجنة والآخر في النار. ومن هنا يبرز الاختلاف بين الإنسان وباقي المخلوقات، والذي يتمثل في عدم وجود العلاقة الحتمية بين الحركة والقبلة، فهو اختلاف جوهري تعجز عن إبصاره –فضلاً عن تفسيره– النظريات والفلسفات أحادية البعد. إنه اختلاف يجعل من كل حركة من حركات الإنسان حركة ثنائية الإمكان تعكس حالة نفسه ومستوى التزكية أو التدسية الذي صارت عليه بعد ولادتها. هنا يصبح العمل عنوان حالة النفس، ويصبح هو المحرك لها. فهي كما عُرّفت عُرِفت، إلى درجة يمكن معها اختزال الإنسان في عمله: “ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من اَهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح” [سورة هود، الآيتان: 45-46].
إن كل حركة –بإطلاق– تتطلب وجهة، لكن أية وجهة؟ وهذا بالضبط ما عبرت عنه زفرة أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام التواقة حين اكتشف ضرورة هداية الله إلى الوجهة، وإلا فإنه الضلال، والذي لا يعدو أن يكون اضطرابا حركيا في غياب رؤية الوجهة الصحيحة “قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين” [سورة الاَنعام، الآية: 77]. إن عظمة هذا التوق الإبراهيمي تتمثل في تبصره بمنبع القبلة: “يهدني ربي” قبلة كل حركة: الله، وإن عظمة ملاحظة إبراهيم تؤدي –برحمة الله وفضله– إلى تبويئه مكان البيت وجعله الباني لأول بيت وضع للناس، البيت الذي يمثل القبلة المدربة للإنسان صلاة وطوافاً وتمثلاً على رفعه تحدي الحياة الأكبر: عدم تغير قبلة حركته بتغير موقعه.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق