على أغصان الشباب تنضج ثمار الحضارة.. (2)
لا يختلف اثنان في أن البشرية اليوم مدعوة لتعلم شبابها مبادئ التربية الإسلامية التي تدعو إلى الرحمة والحب والحنان.. ومن أهداف هذه التربية كذلك الاستقامة، إذا شئنا الجمال الخالد لكل إنسان. كما أن الاحتكاك بالآخر درس يمكن الراحلين إلى مختلف الأصقاع ليغيروا مجرى الحياة الراكدة، والخروج من العزلة لتمتد ظلال التغيير إلى العصر كله، يمدون أبصارهم إلى البعيد ويبتسمون لصياغة معايير اجتماعية إنسانية يمتزج فيها المحلي بالثقافات الأخرى، ليستمتع الإنسان كل إنسان بالحياة التي لا تعرف الحدود، وليتعلم شبابنا وأطفالنا حقائق الحياة وأسس الأخلاق الإنسانية، وليعملوا بوضوح يخطف الأبصار، حتى ينتصر الازدهار على الاندحار، ولتحقيق ما نسعد به وليس ما نحتاجه.
ونحن شعوب ضعيفة الذاكرة ننسى ما يمر بنا في مشوار الحياة، ولا نتذكره إلا عندما نقف على حدث مشابه له، نحن محتاجون إلى الفهم الكامل فالنبل في غير محله سذاجة، والحب على إطلاقه ضعف، والكرامة بلا قوة تحميها تهدر، وأمتنا اليوم لا تعرف كيف تتعامل مع الآخرين، وإن كان تاريخنا ملئ بمواقف النبل والكرامة والحب والإيثار، وفي تقديري أن الإسلام جمال وهو أب الحرية وبوابتها وقيمه الخالدة الخير والحق والجمال، لو كنا نعتبر لأدركت البشرية أنا صناع الجديد في تاريخ الإنسان كله.
لذلك فرحلة الشباب في اتجاه جديد، وشوق جارف ليتحرك شراع الحياة حتى يكون الإنسان ذلك العملاق المتحول من نملة يكافح قسوة الصورة المرة للمجتمع، لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، الملتزم بقضايا المجتمع الإنساني، فموقع الشباب موقع العمل والإنتاج وبارقة الأمل والتطور، والحياة بدون إيقاع الشباب لا تتحرك، ويرحم الله الخليفة المامون العباسي دخل يوما بيت الديوان فرأى شابا جميلا على أذنه قلم، فقال من أنت؟ قال: أنا الناشئ في دولتك، المتقلب في نعمتك والمؤمل لخدمتك، الحسن بن رجاء فقال المامون: بالإحسان في البديهة تفاضلت العقول، ارفعوا الغلام فوق مرتبته.
والعقول الكبيرة تصنع المعرفة والمستقبل يولد من رحم الحرية والإستقامة، وهو فعل يحمل في طياته جملة من المعاني والمضامين العميقة الحية التي تساهم في فتح آفاق رحبة واسعة تثري التاريخ، ومفهوم العلاقات الإنسانية، وفقا لمعايير عصرنا الحاضر، وعندما يصدم الإنسان فليس أمامه إلا طريق من اثنين: إما أن يقوى أو أن يتحطم، لذلك عليه أن يعبر عن ما يراه بصدق، وأن يتعامل بما يمليه عليه الواجب، للتغلب على البؤس ومشاكل المجتمع، مجليا رمز الحرية واكتشاف عظمة النضج الإنساني، وإن يختزن في داخله ما يحطم قيودا لخلق عالم جديد معاصر يمرح دون قيود وشجون خاصة إذا كان إنسانا متحركا متمردا يتحدى الفقر ويرعى بني جنسه البشري، يهتز لفعله الزمان والمكان، وتتجاوب مع تطلعاته الأحداث وقضايا الالتزام؛ ولأنه يتوقع القادم ولا مجال للانبطاح، وعليه أن يواصل رحلته مع الجمال الخالد واحتكاك مباشر لاستنبات طموح لا حدود له، وأحلام لخدمة الإنسانية لا تعرف المنتهى في تربة عقول النوابغ والنوابه، ليكون أعلام المرحلة وأنجمها الكبيرة السابحين ضد تيار الانغلاق والسطحية، بعطاء أهم وأكثر تحضرا، وسيصبح الإنسان أي إنسان رفيق رحلته وأنيسه.. وتلك هي الخيوط التي تنسج مصير العالم المتمدن وشكل حياته الجديد، والله تعالى لن يسألنا لماذا لم تنتصروا وإنما لماذا لم تعملوا؟.
والدوران في حركة مفرغة، تنجم عنه حروب ودماء بلا جدوى؛ لأن الناس حينها ينصرفون عن الحقول إلى المقاهي وعن الحكمة إلى المهاترات، ومن لا يحسن الدفاع عن مصالح الناس، ومن لا يتمتع بالثقة والنزاهة لا يخدم مهمته بصدق وأمانة، ومن تبين له خطؤه ولم يعد فهو لا يؤمن بالعدالة وقداستها يعيش أبد الدهر تحت القهر والتبعية والشعور بالدونية، وأنى له أن يساهم في خلق مشروع حضاري متجدد وأصيل، ومن لم يخلق لنفسه جسرا متينا يربط مباشرة بين الإنسان وخالقه سبحانه وتعالى وبين الدنيا والآخرة، وأن للإنسان في هذا الكون وظيفة ومقاصد ومن يوزع الاتهامات على الآخرين يثير ضجيجا تنصرف فيه الجهود إلى معارك لا تقدم ولا تؤخر، وكل تطرف وتنقل بين تيار فكري لآخر فهو تعامل خشن وفظ ونفاق وانتهازية، ومع الأبواب والنوافذ المفتوحة يتجلى نور الحقيقة في الأفعال والأخلاق، حيث يلتقي نور القرآن بنور الإيمان بضياء الشمس نهارا ونور القمر والمصابيح ليلا، يومها ينطلق النور، نور الإيمان والعلم والنظام والتطور لتنمحي من أفكار الناس فوارق السادة والعبيد.
وهكذا الحياة يصدح فجرها تفوح رائحتها عذرية وتتفتح بشائر صباح إنساني شيئا فشيئا كأوراق وردة تتمطى بين ذراعي عاشقها تسبيحا لله تعالى يعانق غصون الحياة الطرية المتعلقة بأذيال أمل عريض لا تنطفئ أنواره، وحين تلتقي الإرادة بين دياجير الوهم وشعاب الأدمغة تجعل ما هو كامنا شيئا ظاهرا وما هو ظاهرا شيئا له قيمة في الوجود والحياة.
وبالله التوفيق وهو المستعان
أرسل تعليق