علم الحديث بالمغرب: القضايا والأعلام
أمر الرحلة في طلب الحديث معلوم، والشأن فيها أخص من الرحلة في طلب العلم، وقد ألف فيها ترغيبا، وبيانا لآدابها ما لا يحصى إما بالإفراد بالتصنيف، كما صنع الخطيب البغدادي، وإما بجعلها أبوبا، أو فصولا أو أنواعا في مصنفات فكما وقع في كتب المصطلح وآداب الطلب “كالمحدث الفاصل” للرامهرمزي، ومعرفة علوم الحديث للحاكم، والكفاية والجامع للخطيب.
ونظرا لأسباب ليس هذا محل بيانها فإن الرحلة في طلب الحديث كانت من الغرب إلى الشرق، فقد رحل من هذه الجهة من لا يحصى كيحيى بن يحيى، وقاسم بن أصبغ، وابن أيمن، وابن رشيد السبتي وأضراب هؤلاء الأعلام.
ولقد كان بالمغرب والأندلس من أصحاب الأسانيد العالية، والمشيخة الواسعة والإتقان التام لفنون الأثر من هو أهل لأن تعمل إليه الرحلة من الآفاق، لكن ذلك لم يحصل إلا بقلة، ومن أطرف ما وجدت من ذلك ما وقع لزيد بن الحباب الخرساني ثم الكوفي أحد كبار الحفاظ، الذين جالوا في طلب الحديث الآفاق، وهو متقدم روى عنه أحمد وعلي بن المديني توفي سنة 203. وفي آخر المائة الثانية قيل إنه رحل إلى الأندلس [1] لطلب الحديث، وهذا الزمن كان به من لا يحصى من الحفاظ بالمشرق، ومع ذلك فقد كان في هذه الجهة الغربية ما يميزها في فن الحديث، ولولا ذلك لما أتعب هذا الحافظ العارف نفسه وذلك على قول من نقل عنه الرحلة إلى الأندلس فيما لا طائل تحته، كفى هذا شهادة لحال الأندلس في علم الحديث في ذلك الزمان الأول.
ثم إن أمر العناية بالحديث بعد ذلك كثر وفشا حتى خرج من المغرب والأندلس حفاظ كبار وإليهم المنتهى في الضبط والإتقان، والمعرفة بالرجال، والخبرة بالعلل كأبي علي الجياني بالأندلس وأبي الحسن بن القطان بالمغرب.
———
1 . أنظر سير أعلام النبلاء، 9/393 وطرح التثريب 1/47.
-
أستاذي الكريم
لقد أثريتم أنفسنا وثقافتنا
ولكم منا الشكر الخالص على هذا العطاء الفكري والثقافي المتميز.
التعليقات