إن عدالة الصحابة عند أهل السنة من مسائل العقيدة القطعية، أو مما هو معلوم من الدين بالضرورة، ويستدلون لذلك بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة. ويراد بالعدالة:
1. بالمعنى المقابل للجور والظلم؛ فيقال للشخص أنه عادل وتفسر بالإنصاف في المعاملات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها.
2. بالمعنى المقابل للفسق والعصيان: ومعناها التقوى؛
3. بمعنى العصمة: وتفسر بالملكة الخاملة على اجتناب الفجور والعصيان وهي التي اتصف بها الأنبياء والملائكة؛
4. بمعنى الحفظ عن الذنب والخطأ: بلطف من الله دون حصول ملكة وهي ما وصفوا بها الأولياء. وأثبتها بعض العلماء للصحابة؛
5. بمعنى الحفظ عن الخطأ؛
6. بمعنى التجنب عن تعمد الكذب في الرواية والانحراف فيها بارتكاب ما يوجب عدم قبولها فلا يقع من الصحابة ذنب أو يقع ولا يؤثر في قبول مروياتهم.[1]
إذا كان الأمر كذلك؛ فإن الصحابة رضوان الله عليهم باتفاق أهل السنة عدول كلهم – كبيرهم وصغيرهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر من امتثال أوامره بعده صلى الله عليه وسلم وفتحهم الأقاليم وتبليغهم عنه الكتاب والسنة وهدايتهم الناس، ومواظبتهم على الصلاة والزكاة وأنواع القربات، مع الشجاعة والبراعة والكرم والإيثار والأخلاق الحميدة التي لم يكن في أمة من الأمم المتقدمة، قال الخطيب في الكفاية: “عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم فمن ذلك قوله تعالى: “كنتم خير أمة أخرجت للناس” [سورة اَل عمران، الآية 110].
وكذلك قوله: “لقد رضي الله عن المومنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم” [سورة الفتح، الآية: 18]، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله له إلى تعديل أحد من الخلق، على أنه لو لم يرد من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيهم شيء، مما ذكرناه لأوجب الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأبناء والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين والقطع على تعديلهم، والاعتقاد لنزاهتم، وأنهم أفضل من جميع الخالقين بعدهم، والمعدلين الذين يجيئون بعدهم، هذا مذهب العلماء ومن يعتمد قوله.[2]
ويضيف الغزالي في كتابه المستصفى قائلا: “وعدالة الصحابة الداخلين في بيعة الرضوان والبدريين كلهم مقطوع العدالة، لا يليق لمؤمن أن يمتري فيها، بل الذين آمنوا قبل فتح مكة أيضا عادلون قطعا، داخلون في المهاجرين والأنصار”.[3]
ولعل ما يزكي عدالة الصحابة ويجعلهم في ذروة الثقة والائتمان ما جاء في حقهم من الآيات والأحاديث الدالة صراحة على ذلك. فمن القرآن العظيم قوله تعالى: “والذين ءامنوا وهاجروا في سبيل الله والذين أووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم” [سورة الاَنفال، الآية: 74]، وقوله تعالى: “والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوا بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه. وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار فيها أبدا ذلك الفوز العظيم” [سورة التوبة، الآية: 100].
ومن السنة ما روي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم “[4].
وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: “خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته”[5].
ذة. لطيفة الشاهدي الوزاني
عضو المجلس الأكاديمي للرابطة
——————————-
1. تدريب الراوي، ص: 213.
2. فتح المغــيث شرح ألفية الحديث لشمس الدين عبد الرحمان السخاوي، ط: دار الكتب العلمية، ج 3، ص: 108.
3. المستصفى في علم الأصول للغزالي، ط: دار الفكر ، ج2، ص: 146.
4. صحيح البخاري، ج 5، كتاب المناقب باب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
5. المصدر نفسه، ج 5 كتاب المناقب.
التعليقات