Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

طرق تمويل الاستهلاك الاختيارية.. (5)

دور نظام الوصية في تمويل الاستهلاك

يعبر نظام الوصية في الفقه الإسلامي عن مضمون الشعور بحقيقة الملكية الاستخلافية، والوظيفة الاجتماعية للمال، ذلك أن الوصية كإطار شرعي وقانوني لانتقال الثروة من يد إلى أخرى يعكس فلسفة الإسلام في تفتيتها وعدم تركزها في يد واحدة ومحاربة التفاوت الفاحش. وقد فتح الإسلام قنوات كثيرة من أجل تمويل استهلاك الفرد والجماعة.

1. الوصية بين البعد الفردي والجماعي

إن الوصية وإن كان منطلقها الفرد “الموصي” فإن غايتها الجماعة، إذ أن مفهوم القربة يجعل الفرد يوسع دائرة الإنفاق لتشمل أكبر عدد ممكن، حتى يتحقق له الثواب العظيم، كما يجعله يلتفت إلى ذوي القربى ممن لا يرثون، أو إلى باقي مكونات المجتمع من الضعفاء والمساكين وغيرهم. ويؤكد هذا الدور الجماعي للوصية ما رواه أبو داود عن عامر بن سعد عن أبيه قال: “مرض مرضا أشفى فيه فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي أ فأتصدق  بالثلثين؟ قال: لا، قال: فبالشطر؟ قال: لا، قال: فبالثلث؟ قال: الثلث والثلث كثير إنك أن تترك ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس[1].

فقول سعد بن أبي وقاص: “إن لي مالا كثيرا وليس يرثني إلا ابنتي” يدل على وعيه بالأهداف الجماعية للثروة، فهو يريد أن يصل نفعها إلى جماعة المسلمين.

وهذا البعد الجماعي هو الذي جعل بعض الفقهاء يقولون بعدم جواز الوصية للوارث لقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث[2]. وفي منع الوصية للوارث[3]، امتداد هذه الثروة إلى من لا يرثون، وهذا يزيد من حجم المستفيدين منها، ويساهم في توسيع قاعدة تمويل الاستهلاك داخل المجتمع، ومن حكمة الإسلام أنه حدد مقدار الوصية فجعله لا يتجاوز الثلث، لأن الغاية هي مساعدة الغير على وجه لا يصير معه الإنسان فقيرا فيحتاج هو إلى من يساعده، كما منع الإضرار في الوصية، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عنه قال: إن الرجل ليعمل والمرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فتجب لهما النار[4].

وفي هذا المنع دليل على البعد الجماعي في الاستفادة من الثروة، إذ المقصود أن تحقق الوصية التوازن الاجتماعي بين فئات المجتمع، لا أن تغني طبقة وتفقر أخرى.

يتبع في العدد المقبل..

—————————————————-

1. أخرجه أبو داود في كتاب الوصايا، سنن أبي داود، ج: 4 ص: 112.

2. أخرجه أبو داود في كتاب الوصايا، سنن أبي داود، ج: 3 ص: 112.

3. أخرجه أبو داود في كتاب الوصايا، سنن أبي داود، ج: 3 ص: 112.

4. انظر الخلاف حول الوصية للوارث في بداية المجتهد، ج: 2، ص: 251.

أرسل تعليق