ضمير الأمة (2)
قال الله العظيم: “وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” [سورة اَل عمران، الآية: 104]. وقال: “فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ” [سورة الاَعراف، الآية: 165].
تقوم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على أصل النصيحة للأمة بمعنى حفظ ثوابتها وحقوقها ومصالحها، وهذا أساس الدين وعماده؛ كما في حديث “الدين النصيحة”، وحديث جابر الذي أخرجه مسلم قال: “بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم”.
وكذلك، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب شرعه الشارع الحكيم لكل ضروب الموالاة والتناصر الإيجابي، والتكافل الجمعي، وندب التعاون على البر والتقوى، ودرء التعاون على الإثم والعدوان… وهذا يعني أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حركة مجتمعية واسعة، ووظيفة سياسية واجتماعية وإعلامية وتوجيهية قائمة على معنى التبصير والحوار والمشاركة والمشورة والمفاوضة وتبادل الرأي حتى يدرك المعني بالأمر فائدة المعروف والأخذ به، ومفاسد المنكر وضرره على نفسه وعلى الناس؛ فتنشأ لديه الإرادة الطوعية لفعل الخير، أو إرادة ترك الشر عن رضا واختيار.
إنها وظيفة تربوية وتوجيهية قائمة على أساس النصيحة والرفق والإقناع الفطري، وليس على أساس الجبر والتحكم والوصاية؛ يستخدم الآمر فيها ما بوسعه من قوة فكرية وبيانية وجدلية لإقناع المدعو، وإسعاده على حل مشكلاته ومواجهتها بطرق صحيحة ومجدية، وتبصيره بعناصر القوة والضعف لديه، وعواقب سلوكه وتصرفه، وتشجيعه على أخذ القرار المناسب الذي يكون أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد.
وثمة نكتة عظيمة تنطوي عليها هذه الوظيفة الشرعية، وهي أن الإنسان إذا كان حرا في أن يؤذي نفسه، ويستهلكها باقتراف المحظور والممنوع سرا، فليس له هذا الحق، ولا يملك هذه الحرية في أن ينشر الفساد ويعلنه ويجاهر به؛ لأن في ذلك إيذاء لجميع الناس، ونقضا وإفسادا لنظام المجتمع برمته.
وهذا المعنى البديع أعني الالتزام بالمحافظة على حق المجتمع، هو ما ترجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبلغ بيان إذ قال: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء، مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن يأخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا”.
فهذا الحديث الصحيح تصوير لما يجري في المجتمع، من تعارض المصالح، وتجاذب القوى بين مختلف شرائحه وأطرافه. فقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأرض أو هذه المجتمعات التي يعيش فيها الإنسان بالسفينة؛ وهي مكان يتعرض عادة للمخاطر الجسام، والأنواء الطارئة في أي لحظة، ليبين للناس أن هذه الأرض وما عليها لا تقل تعرضا للمخاطر والعواصف عما يتهدد السفينة في بحر لجي هائج!
والحديث تمثيل بليغ بنموذجين أو بصنفين من الناس:
أحدهما- قوم ضلوا الطريق، وتنكبوا الجادة؛ ففهموا الحرية فهما خاطئا، واستهانوا بضميرهم ومسؤوليتهم، فوقعوا في محارم الله، فهم يرتعون فيها، ويصرون على هتكها وارتكابها.
والثاني- قوم رأوا مواقعة المنكر، فسكتوا عنه، وأغمضوا أعينهم عما يجري في محيطهم من آثام وخروق، وكأن الأمر لا يعنيهم، وظنوا بأنفسهم وصنيعهم خيرا…
فهذه روح شخصية الفريقين؛ فريق أصاب أعلى السفينة؛ فهو يتمتع بجمال الكون ونعمائه وثرواته، وتوفرت له أسباب الرفاه ورغد العيش، من ماء وغداء وضرورات الحياة، وفريق أصاب أسفل السفينة لا ينعم بما يمتع به شركاؤه في القسم الأعلى؛ فحتى الماء الذي هو مادة الحياة، وأهم ضروراتها وحاجاتها، كانوا يفتقرون إلى جلبه من الأعلى بعد استئذان شركائهم. وهنا خطرت للقوم فكرة قالوا: لماذا لا نحدث ثقبا في نصيبنا وحَيزنا، فغَدَوا على حَرد قادرين على إحداث هذا الثقب، فاستخرجوا المعاول والفؤوس، وأخذوا يضربون القاع لاستخراج الماء… فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن يأخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا.
-
السلام عليكم
إن موقع جريدة ميثاق الرابطة يرحب بتعليقاتكم واقتراحاتكم… -
السلام عليكم
إلى الاخوان العاملين لكواليس الموقع ارجو ان تحدوا من مقص الرقيب لان مشاركاتنا أمانة واذا كان نشرها يخضع لكل هذه الحيطة والرقابة فلا نرى بدا لكتابتها اصلا وأظنكم اولى بصيانة حق القارئ والمشارك باعتبار الموقع يتأسس على قيم اسلامية صرفة !؟!؟!
والسلام عليكم -
السلام عليكم أيها الأخوة الأفاضل
إن هذا المقال البليغ تصوير دقيق لحراك المجتمع العربي من وجهة نظر أستاذنا الفاضل – جزاه الله عنا خير الجزاء- والراجح أن قصة السفينة أشبه في أوجه عدة بسفينة هذا الوطن وما يشهده من حراك سواء من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تقلد المسؤوليات أو من باب خيانة الأمانة وأظن أن الكاتب قدم في مقالات سابقة بل اغلب مقالاته كانت حلقات قاصدة لمشروع مجتمعي يجعل رقي الإنسان بدينه وأخلاقه و قيمه وثوابته بحقوقه وواجباته بإرادة ذاتية يجعل رقيه هذا تبويبا ومدخلا للرقي بمجتمعه كتحصيل حاصل..
إن مقالات الأستاذ في مجملها ترمي بازدواجية هادفة إلى ترميم الشقوق وسد الصدع سواء بتحريك الوازع الديني عند القراء أو بالإقناع العلمي لإصلاح الذات ومراجعتها وأيضا معالجتها من أمراض القلوب……. فإذا تمعننا في غايات المقال سنعي أن مجتمعنا بشكل ما هو تلك السفينة، وندعو الله أن يقدر سكان العلية التزاماتهم ومسؤولياتهم وأماناتهم بما يضمن حقوق الآخرين لتحقيق العدالة والكرامة والهم المشترك ……..
ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله !
وجزى الله عنا الكاتب والرابطة أفضل الجزاء
التعليقات