ضمان حقوق الإنسان من مقاصد الشريعة.. (7)
ثانيا: التشريعات
صناعة الإنسان في الإسلام تتغيى إخراج إنسان متحرر، ليس في ضميره أو جسده فحسب، وإنما متحرر أيضا في رأيه، وفي أسلوب تعبيره عنه. فالإنسان في الإسلام يُتغيى أن يكون متحررا من سلطان العباد[1]، وإن جوهر الاستخلاف والأمانة هو القدرة على أداء الواجبات، وانتزاع التمتع بالحقوق “اِنَّ الَذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الاَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا” [النساء، 96].
وقال سبحانه: “وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا” [النساء، 74].
وقد استنبط الإمام مالك من هذه الآية أن براءة الذمة بخصوص المستضعفين، معقودة بالنصر بالبدن، إن كان العدد يحتمل، وإلا فلا سبيل إلا ببذل جميع الأموال[2].
وقال تعالى لوما للذين ينشِّئون بناتهم تنشئة تعجزهن عن المطالبة بحقوقهن، وبعد ذلك تظل وجوههم مسودة وهم كظيمون إذا بشروا بالأنثى: “وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا، ظل وجهه مسودا وهو كظيم، اَو من ينشؤا في الحلية وهو في الخصام غير مبين” [الزخرف، 16-17].
ويمكن رصد عدد من المركبات التشريعية المشَكِّلة لصرح مقصد ضمان حقوق الإنسان:
أ. الحفظ
ونقصد به حفظ الحقوق والمصالح الضرورية التي بها تتحصل السعادة في العاجل والآجل، وهذا الحفظ يكون بأحد أمرين: الأول: من جانب الوجود، وذلك بما يقيم أركانها ويثبت قواعدها. والآخر: من جانب العدم، وذلك بما يدرأ الخلل الواقع أو المتوقع فيها.
حفظ الدين: وذلك من خلال:
- التشريع وتوفير أماكن العبادة المرعية، وتنظيم المساجد والقيمين عليها، وتنظيم الزكاة والصيام والحج، وتنظيم الوقف وحمايته؛
- التربية السليمة والممنهجة؛
- حماية وتيسير وتوطين القيم المعنوية والروحية للدين؛
- حرية التدين وعدم الإكراه؛
- تقنين وهيكلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بتجلية شروطه وموانعه، ومناهجه وعقوباته، وزجر من يترامون بغير حق ولا مستحق للقيام به؛
- التشجيع على الاجتهاد الكفء..
حفظ النفس
وذلك عبر:
- ضمان الحق في الحياة؛
- احترام التشريعات المحرِّمة للقتل والأذى؛
- الحماية من العدوان، وهو ما يظهر جليا في حد الحرابة؛
- الحماية من التعذيب، والحماية من الإخافة والترويع[3]؛
- حماية البيئة (مناخيا ونباتيا وحيوانيا)؛
- ضمان حق العيش، والصحة، والحركة، والتنقل مع الحماية من الاتجار بالبشر؛
- الاستثمار في الأمن العام والدفاع الوطني، وأمن الدولة[4]..
يتبع في العدد المقبل..
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
—————————————
1. قال ربعي بن عامر تعبيرا عن المقصد الكلي للإسلام في جوابه لرستم بعد أن سأله: “لم جئتم؟” قال رضي الله عنه: “ابتُعِثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده.. “. ابن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، دار الفكر، ط 1979م، 3/23 فما بعدها، أحداث سنة 14 هجرية.
2. ابن العربي، أحكام القرآن، 1/409-460.
3. قال صلى الله عليه وسلم “ليس منا من روع مسلما” أخرجه البيهقي.
4. وهنا يشار إلى مفهوم الإعداد المستفاد من قوله تعالى “وأَعدّوا لهُم ما اَستَطعتُم من قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ” [الاَنفال، 61]، فالسلم في الإسلام ليس مقصده الأصل هو القتال، وإنما الإرهاب للعدو قصد ثنيه عن الانخراط فيما يوجب مواجهته، مما قد يؤدي إلى إهراق الدماء وإزهاق الأرواح. والاستطاعة، المراد بها تلك المنضبطة بالموازنة بين الحاجات وعدم تجاوزها بالإنفاق على السلاح وتجويع الناس مثلا.
أرسل تعليق