ضمان حقوق الإنسان مقصدا من مقاصد الشريعة الإسلامية.. (3)
1. المرتكزات
يروم هذا المبحث الأول إبراز المرتكزات التي يتأسس عليها مقصد ضمان حقوق الإنسان في الإسلام.
أ. التكريم
يشكّل مبدأ التكريم الإلهي للبشر، معلما بارزا من المعالم التي تستنبط منها مقصدية ضمان حقوق الإنسان، وذلك تأسيسا على قوله تعالى: “ولقد كرمنا بني ءَادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا” [الاِسراء، 70]، فحين يتم تجذير الوعي بالتكريم في كيان الفرد، وتتم مواكبة ذلك بإتاحة المقومات الديداكتيكية للتنشئة، والمقومات التشريعية للنهوض والحماية[1]؛ فإنه يسهل أن ينبثق في حالة تهديد هذا التكريم، مثل رد فعل عمر بن الخطاب المشهور حين قال لعمرو بن العاص وقد ظلم قبطيا: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا“[2].
ومن مقومات هذا التكريم في القرآن والسنة:
1ـ الإيجاد[3]؛
2 ـ تكريم إحسان التقويم؛
وهو المشار إليه في الآية الكريمة: “لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم” [التين، 4]، وكذا الآية: “وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ” [التغابن، 3].
3. تكريم إعظام الدور
وهو تكريم يظهر من خلال التكليف بإعمار الأرض كما في الآية: “هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الاَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” [هود، 60]، والآية: “وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الاَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ” [الاَعراف، 9]، وكذا الآية: “الَذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا” [طه، 52].
ويسجل بهذا الصدد أن ارتكاسا كبيرا حصل بعد فترة التأسيس هذه، لأسباب متداخلة لا يتسع المقام هنا لذكرها[4].
4. الخلافة
تعكس خلافة الإنسان في الأرض أسْمَى مراتب التَّكريم الإِلَهي: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” [البقرة، 29].
5. التسخير
كما في الآيات: “اللَّهُ الَذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الاَنْهَارَ وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَءَاتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الاِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” [اِبراهيم، 34-36][5].
قال تعالى: “أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الاَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الاَرْضِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ” [الحج، 63].
يتبع في العدد المقبل..
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
——————————————-
1. ومن ذلك الوفرة في الآيات والأحاديث التي واكبت التنشئة والتشريع، من مثل قوله تعالى “وإذ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ ءَلاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ” [البقرة، 33]، وقوله “فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين” [ص، 71]، وقوله صلى الله عليه وسلم عند طوافه بالكعبة: “ما أطيبك وأطيب ريحك ،ما أعظمك وأعظم حرمتك. والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك” رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الترغيب 2/630. وقوله صلى الله عليه وسلم “كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله” أخرجه مسلم رقم الحديث: 2564، وغير ذلك من الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة.
2. جلال الدين السيوطي، حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة 2/10.
3. من أدلة ذلك قوله تعالى: “ولقد خلقنا الاِنسان من سلالة من طين” [المومنون، 12]، وقوله تعالى “الذى أحسن كل شىء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين” [المرسلات، 20]، وقوله سبحانه: “ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون” [الحجر، 26]، وقوله عز وجل: “وَمِنْ ايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ” [الروم، 19].
4. انظر بهذا الخصوص كتاب الإسلام وهموم الناس، أحمد عبادي، كتاب الأمة العدد 49، الدوحة 1996م. وانظر أيضا نماذج عائشة رضي الله عنها، ووأبي ذر، والحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير من الصحابة، وفي جيل التابعين نماذج سعيد بن جبير، وأبي مسلم الخولاني، وفي جيل أتباع التابعين نماذج أبي حنيفة، ومالك، وسفيان الثوري، وغيرهم.
5. وفي القرآن الكريم نسيج متكامل في الآيات بهذا الصدد، منها قوله تعالى: “أَلَمْ تَرَوْا اَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الاَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ” [لقمان، 19].
أرسل تعليق