صنيع ابن مجاهد البغدادي في الاقتصار على القراء السبعة وما أثاره من إشكال وردود أفعال
أثار صنيع أبي بكر بن مجاهد البغدادي في الاقتصار في كتابه “السبعة في القراءات” على قراءاتٍ سبعٍ لقراءٍ سبعةٍ من قراء الأمصار الخمسة المشهورين -مجموعة من الإشكالات وردود الأفعال، تمثلت في انتقادهم لما فعله، كما تمثلت في حمل عدد من المؤلفين على التأليف في القراءات بالزيادة على ما ذكره، سواء في عدد القراء، أو عدد الرواة والروايات، وزاد الأمر تعقيدا عند المتأخرين حينما سموا ما زاد على سبعة ابن مجاهد شاذا، وزعموا أنه لا يقرأ به في الصلاة ولا غيرها، وزاد في هذا التوهم كون ابن مجاهد نفسه كان قد ألف كتاب “القراءات الشاذة”، ذكر فيه أئمة أجلاء أدرج قراءتهم في جملة من ذكرهم في هذا الكتاب، ومنهم أبو جعفر المدني شيخ نافع، ويعقوب الحضرمي البصري، وخلف بن هشام البزار البغدادي، وهم عند الجمهور تتمة القراء العشرة.
وقد حمل ذلك كثيرا من أئمة المؤلفين على الحط على ابن مجاهد مع إمامته وجلالة قدره، لما ترتب على صنيعه من إيهام العوام انحصار القراءة المشهورة أو المتواترة فيما تضمنه كتابه، وما سواه فهو شاذ، لا سيما وأن عبارة ابن مجاهد في مقدمة كتاب السبعة تساعد على هذا التوهم، وذلك في قوله بعد ذكر السبعة: “فهؤلاء السبعة من أهل الحجاز والعراق والشام خلفوا في القراءة التابعين، وأجمع على قراءتهم العوام من أهل كل مصر من هذه الأمصار وغيرها، من البلدان التي تقرب من هذه الأمصار، إلا أن يستحسن رجل لنفسه حرفا شاذا فيقرأ به، من الحروف التي رويت عن بعض الأوائل منفردة، فذلك غير داخل في قراءة العوام، ولا ينبغي لذي لب أن يتجاوز ما مضت عليه الأئمة والسلف بوجه يراه جائزا في العربية، أو مما قرأ به قارئ غير مجمع عليه”.(السبعة 87).
ولقد خالف ابنَ مجاهد جماعةٌ من الأئمة قبله وبعده في ما ذهب إليه من الاقتصار على قراءات السبعة، فألفوا كتبا نقصت أو زادت على من ذكرهم بكثير. فأبو عبيد كما رأينا قد أدخل في كتاب القراءات خمسة وعشرين قارئا مع هؤلاء السبعة، وتوفي سنة 224ﻫـ، وكان بعده أحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية، جمع كتابا في قراءات الخمسة من كل مصر واحدٌ، وتوفي سنة 258ﻫـ، وكان بعده القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي صاحب قالون، ألف كتابا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم هؤلاء السبعة، و توفي سنة 282ﻫـ، وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جمع كتابا حافلا سماه “الجامع في القراءات”، فيه نيف وعشرون قراءة، و توفي سنة310ﻫـ، وكان بعيده أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني، جمع كتابا في القراءات، وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة، وتوفي سنة 324ﻫـ، وكان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط. وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، وألف بعده أبو بكر أحمد بن نصر الشذائي وتوفي سنة370ﻫـ، وأبو بكر أحمد بن الحسين بن مهران مؤلف كتاب “الشامل” و”الغاية” وغير ذلك في قراءات العشرة، وتوفي سنة 381ﻫـ، والإمام الأستاذ أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي مؤلف كتاب “المنتهى في القراءات”، جمع فيه ما لم يجمعه من قبله، وتوفي سنة408ﻫـ.
قال ابن الجزري بعد ذكر ما تقدم: “وانتدب الناس لتأليف الكتب في القراءات بحسب ما وصل إليهم وصح لديهم، كل ذلك ولم يكن بالأندلس ولا ببلاد المغرب شيء من هذه القراءات إلى أواخر المائة الرابعة، فرحل منهم من روى القراءات بمصر ودخل بها، وكان أبو عمر أحمد بن محمد الطلمنكي مؤلف كتاب “الروضة في القراءات” أول من أدخل القراءات إلى الأندلس، وتوفي سنة 429ﻫـ، ثم تبعه أبو محمد مكي بن أبي طالب القيسي مؤلف كتابي “التبصرة” و”الكشف” وغير ذلك، وتوفي سنة 437ﻫـ، ثم الحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني مؤلف كتابي “التيسير” و”جامع البيان” وغير ذلك، توفي سنة 444ﻫـ، وهذا كتاب “جامع البيان” له في قراءات السبعة فيه عنهم أكثر من خمسمائة رواية وطريق، وكان بدمشق الأستاذ أبو علي الحسن بن علي بن إبراهيم الأهوازي مؤلف كتب “الوجيز” و”الإيجاز” و”الإيضاح” و”الاتضاح” و”جامع المشهور والشاذ”، من لم يلحقه أحد في هذا الشأن، وتوفي سنة 446ﻫـ.
-
السلام علكم ورحمة الله
جزى الله شيخنا على إفاداته القيمة والطيبة
التعليقات