..شيوخ التربية
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
4. الجهود العلمية
اعتنى الصوفية المغاربة بالعلوم المختلفة، وعملوا على حفظها ودراستها، وتدريسها ونشرها، وكانت للزوايا وما تزال آثار مجيدة ومفاخر عظيمة في الحفاظ على هذه العلوم، حيث احتلت العلوم الشرعية المرتبة الأولى من حيث الاهتمام، كعلم العقيدة وعلوم القرآن وعلوم الحديث، كما اهتموا بجمع الكتب ونودار المخطوطات فأسسوا مكتبات ضخمة واهتموا بتشييد المدارس والمعاهد، ومحل سكنى الطلبة، مع الاهتمام بشؤونهم..
أ. عنايتهم بالقرآن الكريم وعلومه
ومن بين الصوفية الذين وقفوا حياتهم على تدريس القرآن الكريم وإقرائه للطلبة:
الإمام المقرئ النحوي أبو عبد الله محمد بن الحسن الصغير (تـ 887هـ) حلاه صاحب السلوة بالشيخ الإمام الشهير العالم العلامة الكبير الأستاذ المقرئ الماهر النحوي المحقق الباهر الصدر الحجة الأوحد، الفاضل البركة الأعمد، ملحق الأبناء بالآباء وواسطة عقد الأذكياء النبلاء، السيد الصالح، ذو الأخلاق الحميدة المرضية والنهج الواضح، وحيد دهره، وفريد عصره(..) الشهير بالصغير[1].
كان رحمه الله آية في العلم والعمل، شديد الحرص على إفادة الطلبة وإقرائهم القرآن الكريم، فقد تخرج على يديه جم غفير يقدر بثلاثمائة طالب كلهم حمل لواء القراءات السبع، فقد ذكر ابن غازي في فهرسه: “ما رأت عيناي قط مثله خَلقا وخلقا، وإنصافا وحرصا على العلم، ورغبة في نشره، واجتهادا في طلبه وإدمانا لتلاوة التنزيل العزيز، وحسن نغمة بقراءته(..) وتبحرا في القراءات وأحكامها“[2]، وذكر أنه ختم عليه القرآن ثلاث ختمات آخرها القراءة السبعة على طريقة الحافظ أبي عمرو الداني.
وذكر المنجور في فهرسته أنه ختم عليه القرآن بالقراءات السبع ثلاثمائة طالب[3].
الإمام الحافظ الشرقي بن أبي بكر الدلائي (تـ 1079هـ) وهو من الأئمة الأعلام، المشهود له بتمكنه في جميع العلوم وبخاصة القرآن والسنة، له باع طويل في شتى العلوم، وقد حلاه صاحب السلوة: “الشيخ الإمام الجهبذ الهمام، الحافظ الحجة الأريب الأستاذ الضابط المقرئ المجود الأديب، العالم العلامة الجليل، المحصل البليغ الأثيل، أعجوبة الزمان حفظا وفهما، ونادرة العصر تحقيقا وعلما..“[4].
كان يدرس مختلف العلوم في زاويتهم وعلى رأس هذه العلوم علم القراءات والتجويد، فقد “كان يلقن الطلبة فن التجويد، ويعلمهم القراءات السبع، ويُدربهم على تلاوة القرآن الكريم تلاوة مجودة متقنة، وقد وصفه الإمام أبو علي اليوسي بأنه قطب رحى المقرئين في المغرب في قصيدة يمدحه بها:
أقطب الرحى في المــقرئين بـــذا الأفق ويا نجــــل قطــــب كان مقــــعد صــــدق
ولم يعلموا أن لــــو خلا الغـــرب كلـــــــه من الخير كان الخير يرجى من الشرقي[5]
الإمام المقرئ سيدي محمد بن محمد بن إبراهيم الخراز (تـ 718هـ) وهو من الأئمة الأعلام في مجال القراءات القرآنية، وبخاصة قراءة نافع، فقد كان “مقدما فيه لا غير، إماما في الضبط، عارفا بعلله وأصوله”[6].
وقف عمره رحمه الله على تعليم الصبيان بمدينة فاس، إلى أن أتاه أجله سنة ثمانية عشر وسبعمائة، وله عدة تآليف في مجال القراءات.
العلامة المفتي عبد الكريم بن علي اليازغي (تـ 1199هـ) كان رحمه الله من العلماء الأفذاذ “فقيها عالما، مدرسا مفتيا متفننا في علوم شتى من فقه وحديث وتفسير ولغة ونحو وبيان.. وغير ذلك، حافظا دراكا محصلا بارعا، نفاعا لطلبة العلم، محققا للمسائل محررا لها، من أهل الحزم والصلابة في الدين، لا يزجره عن الحق شيء[7].
تخرج على يديه عدد كبير من العلماء منهم الشيخ الطيب بن عبد المجيد ابن كيران، والقاضي أبي محمد عبد السلام بن محمد بن محمد بن أحمد ابن الشاذلي البكري الدلائي، والعلامة أبي الربيع سليمان الحوات صاحب البذور الضاوية..
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
——————————————–
1. سلوة الأنفاس، 2/75.
2. فهرسة ابن غازي، تحقيق: محمد الزاهي، دار بوسلام للطباعة والنشر والتوزيع – تونس-، بدون (ط/ت)، ص: 31.
3. ينظر سلوة الأنفاس، 2/75.
4. سلوة الأنفاس، 2/105.
5. الزاوية الدلائية ودورها الديني والعلمي والسياسي، محمد حجي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط2، 1409هـ/1988م، ص: 75.
6. سلوة الأنفاس، 2/128.
7. سلوة الأنفاس، 2/129.
أرسل تعليق