2- تحقيق الوحدة الوطنية

عمل الصوفية على إخماد نار الفتن ووقفوا سدا منيعا في وجه المدعين ومثيري القلاقل الذين يريدون أن يمهدوا للأعداء الأجواء للسيطرة وتطويع المغرب، ولعل أبرز هذه الأحداث الخطيرة في تاريخ المغرب فتنة بوحمارة الجيلاني بن عبد السلام اليوسفي الزرهوني، وهو ثائر مغربي غلبت على اسمه كنية بوحمارة ولَقب الرُوكي، كان موظفا مخزنيا بسيطا قبل أن يعلن ثورته ضد السلطان عبد العزيز في خريف سنة 1902هـ، انتحل في بداية أمره اسم مولاي محمد وادعى أنه صنو السلطان عبد العزيز الذي استولى على ملك أبيه واستبد به بعد أن رماه في السجن، وأذاع الثائر بين الناس موالاة السلطان ومخزنه للكفار ورغبتهم في نقل نظمهم وعاداتهم وإدخالها إلى المغرب، وتعززت دعوته بمعارضته للإصلاح الجبائي، وكان السلطان آنذاك قد أعلن عزمه على تطبيق مشروع الترتيب”^[1].

 استطاع بوحمارة استمالة العديد من القبائل، فقاتلوا إلى جانبه، وتكبَّد المخزن خسائر فادحة ماديا ومعنويا، حتى تضعضع النظام له، وأمام هذا الوضع انبرى عديد من الصوفية لمواجهة هذا الفتان، واستنهضوا القبائل للدفاع عن السلطة الشرعية، ولإخماد نار هذه الفتنة التي يقف وراءها الاستعمار-حيث ساند هذا الأخير بوحمارة بالمال والعتاد-، بهدف النيل من وحدة البلاد وأمنه واستقراره، وحتى يكون المغرب فريسة سهلة في يده تحت قاعدة: “فرق تَسُد“.

ومن أبرز الصوفية الذين وقفوا في وجهه:

 المرابط محمد أخمليش، الشريف محمد أمزيان، الشيخ الحاج المختار بن محيي الدين البودشيشي، والشيخ الحاج محمد بن عبد الغني؛

1. المرابط محمد أخَمْلِيشْ:

هو محمد الكبير “الثاني” بن محمد، آلت إليه مشيخة الزاوية الخمليشية بقبائل صنهاجة، بعد وفاة عمه الشيخ محمد الصديق بن محمد الكبير “الأول” ابن أحمد بن يحيى.

 كانت لجهود هذا المرابط آثار جد هامة في عدم صعود نجم الثائر بوحمارة، واستمالته لقبائل صنهاجة بفعل نفوذه الروحي ومكانة الزاوية الخمليشية في قلوب القبائل الصنهاجية، وقد حاول بوحمارة النيل من هذه الزاوية بشتى الطرق والوسائل منها مكاتبته لأعوانه بتخريب الزاوية للحد من تأثيرها.

 ومما يدل على ذلك ما جاء في “المصادر الإسبانية أن صاحب الترجمة وقف من الثائر أبي حمارة موقف المعارض لتسرب نفوذه إلى قبائل صنهاجة، الشيء الذي تؤكده عدة رسائل وجهها الثائر إلى قبائل صنهاجة وبني عمرت وبني مزلوي وتغزوت بتاريخ فاتح محرم 1325هـ/ 14 فبراير 1907م يأمرهم فيها بتخريب الزاوية الخمليشية الواقعة بمدشر التفاح بقبيلة بني عمرت”^[2].

 وفي هذا الصدد، جاء في رسالة وجهها له السلطان مولاي عبد الحفيظ يوم 3 شعبان 1326هـ/ 30 غشت 1908م يقول له فيها إنه واثق من إخلاصه وتعلقه بعرشه، شأنه في ذلك شأن ما كان عليه أسلافه”^[3]. كما توجد رسالة أخرى بتاريخ 23 شعبان 1326هـ/20 دجنبر1908م يقول له فيها إنه على علم بما يقوم به من دعاية ضد الثائر أبي حمارة ويحثه على متابعة عمله^[4].

وأكدت المصادر الإسبانية أن المرابط محمد أخمليش نسق جهوده مع الشريف محمد أمزيان من أجل القضاء على بوحمارة وإخماد فتنته.

يتبع..

———————————-

1. معلمة المغرب، 5/1654.

2. معلمة المغرب، 1/210.

3. المصدر السابق نفسه.

4. المصدر السابق نفسه.