شيوخ التربية.. المهام والفاعلية في المجتمع المغربي
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
1. جهودهم في التربية والتزكية
رأينا في المقالات السابقة تعريف التزكية، وقلنا بأنها هي تطهير النفس والقلب من الذنوب والمعاصي وتحليتهما بألوان الطاعات والقربات وترقيتهما عبر المقامات حتى تتحقق بالأخلاق الفاضلة والأنوار السنية للوصول إلى الحضرة العلية وهو مقام الإحسان، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك” وتحدثنا كذلك عن أهمية التزكية من خلال القرآن والسنة النبوية، وأنه لابد للفرد من تزكية نفسه وترقيتها..
وفي هذا المقال سنتحدث عن جهود الصوفية في التربية وتمظهراتها في الواقع.
قام شيوخ التربية بإنشاء الزوايا والرباطات من أجل تربية المريدين وتزكية نفوسهم وترقيتها، فالتف حولهم العديد من المريدين، واهتدى على أيديهم جم غفير من الناس، وتخرَّج من هذه المدارس رجال صالحون وعلماء ناصحون. ومن مظاهر أو أثر هذه التربية على المريدين نذكر:
أ. تحقيق شخصية متوازنة
سبق وأن قلنا بأن الدين الإسلامي دين تكامل بين متطلبات الروح ومتطلبات الجسم، والتجربة الصوفية في عمقها اهتمام بالجانب الروحي وتنمية الفرد حتى لا تكون حياته أشبه بالبهيمة، بل يعيش في توازن واعتدال يعطي لكل ذي حق حقه بدون تفريط ولا إفراط، فلا هو من الذين أغرقوا في زهرة الحياة الدنيا وزينتها وأهمل الجانب الروحي الذي هو أساس الوجود الإنساني على وجه هذه البسيطة كما قال الله تعالى: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالاِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ” [الذاريات، 56] قال مجاهد: “إلا ليعرفون”[1]، ولا هو من الذين آثروا حياة الزهد والتقشف والبعد عن الواقع أو قل الهروب من الواقع وعدم الفاعلية داخل مجتمعه بالإصلاح ودعوة الناس إلى التمسك بالهدي النبوي الشريف وهدي من بعده من الصحابة الكرام.
ولعل من بين تلك المظاهر اهتمامهم بالجانب العملي في التصوف، فهم لا يتكلمون إلا فيما تحته عمل أو ما يزيد من تعلقهم بمولاهم؛ لذلك نجدهم لا يلتفتون إلى الكرامات، ويتحفظون من إطلاق الحقائق.
أما ما يتعلق بعدم التفاتهم إلى الكرامات، فهم يعتبرون أكبر الكرامات وأفضلها هي: أن يُقيم الإنسان على ما أمره الشرع واجتناب ما نهاه عنه، ولذلك قالوا: “الاستقامة خير من ألف كرامة” وقالوا أيضا: “أتطلب الكرامات وقلبك بالكرى مات؟!”.
ويقول الشاطبي: “وهذا كله يدلك على ما تقدم من كونها في حكم الرخصة، لا في حكم العزيمة”[2].
ويضيف قائلا: “بل كان منهم من استعاذ منها ومن طلبها، والتشوف إليها، كما يُحكى عن أبي يزيد البسطامي، ومنهم من استوت عنده مع غيرها من العادات، من حيث شاهد خروج الجميع من تحت يد المنّة، وواردة من جهة مجرد الإنعام. فالعادة في نظر هؤلاء خوارق للعادات. فكيف يتشوف إلى خارقة؟ ومن بين يديه ومن خلفه، ومن فوقه، ومن تحته مثلُها. مع أن ما لديه منها أتم في تحقيق العبودية كما مرّ في الشواهد. وعدُّوا من ركن إليها مستدرجاً، من حيث كانت ابتلاءً لا من جهة كونها آية أو نعمة”[3].
وذلك أن الراسخين في مجال التربية، قد تجردوا عن الحظوظ، فليس لهم قصد إلا طلب وجه الله تعالى، لذلك كان “للولي أن يقصد إظهار الكرامة الخارقة لمعنى شرعي من طلبه لا لحظ نفسه.. وعلى هذا المعنى ظهرت كرامات الأولياء الراقين عن الأحوال، حسبما دلّ عليه الاستقراء”[4].
وبالتالي فإنهم لا يقيمون وزنا للكرامات بقدر ما يهتمون بالجانب السلوكي العملي، فأعظم كرامة وأجلها عندهم هي: كرامة الاستقامة.
يُتبع..
———————————————–
1. الجامع لأحكام القرآن، 17/50.
2. الشاطبي: الموافقات،1/268.
3. الموافقات، 1/267.
4. الموافقات، 1/264.
أرسل تعليق