Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

شيوخ التربية.. المهام والفاعلية في المجتمع المغربي

3. جهود الصوفية في نشر الإسلام

للصوفية دور كبير ومحوري في نشر الإسلام وتعاليمه السمحة في العديد من الأقطار والأمصار، التي لم تصلها الفتوح بعد، أو وصلتها لكن لم يترسخ الإسلام بعد، ولم يتمكن في قلوب الناس، وقد قال الإمام محمد أبو زهرة مبينا مسلك الصوفية في نشر الإسلام:

“الدعاية الصوفية كانت تقوم على أمرين”

أحدهما: من القدوة والاختلاط، والأخلاق الإسلامية، والتسامح، والرفق في المعاملة، والمثل الطيبة الواضحة في المعاملة الحسنة.

وذلك أن أئمة الصوفية كالقطب عبد القادر الجيلاني، وأبي الحسن الشاذلي، والمرسي أبي العباس، وابن عطاء الله السكندري، كانوا على أخلاق إسلامية عالية، وكانوا على سماحة تُدْني البعيد، وتثبت القريب..

وبهذه الأخلاق التي سرت إلى بعض مريديهم وأتباعهم كانوا يجذبون إلى الإسلام طوائف من غير المسلمين الذين يختلطون بهم؛ فإن المعاملة الحسنة والاختلاط الذي يكون بعشرة طيبة يجذب النفوس، وتسري به العقائد الفاضلة، فتسري العقيدة العالية إلى ما دونها كما يسري الماء العذب من المكان المرتفع إلى المكان المنحدر.

وقد كان هؤلاء الآحاد من المتصوفة الذين لا يشعبذون بل يتعبدون ويختلطون بأهل إفريقيا الوثنيين، والمجوس والوثنيين في آسيا، فيؤثرون بمعاملتهم، وبسعة صدورهم، وعقولهم أكثر مما يؤثر القول، وقد كانت تقترن بهذه الأخلاق دعوات أحادية أحيانًا؛

الثاني: من الأمور التي كانت تقوم بها الدعاية الصوفية: مجالس الوعظ التي كان يعقدها الأئمة من الأقطاب، فقد كانت مجالس عامة يحضرها المسلمون، ويحضر فيها غير المسلمين فيتبعون الشيخ في مواعظه، ثم يعلو الأتباع حتى يتبعوه في عقيدة الوحدانية”[1].

ومن هؤلاء الصوفية الذين كان لهم الفضل في نشر الإسلام، نذكر “الشيخ عبد القادر الجيلاني” الذي صرح بما منَّ الله عليه من هداية الخلائق بقوله: “قد أسلم على يدي أكثر من خمسة آلاف من اليهود والنصارى”[2]، قال عنه الشيخ عمر الكيماني: “لم تكن مجالس سيدنا الشيخ عبد القادر رضي الله عنه تخلو ممن يسلم من اليهود والنصارى، ولا ممن يتوب من قطاع الطريق وقاتل نفس وغير ذلك من الفساد”[3].

وكذلك الطريقة النقشبندية التي يعود لها الفضل في انتشار الإسلام في جمهورية جورجيا الروسية وما حولها من الأقاليم الإسلامية[4].

كما للصوفية السعد الفاخر في نشر الإسلام والمحافظة عليه في أندونيسيا والهند، يقول فون رونكل: “والقسم الأكبر من التصوف الإسلامي جاء إلى الأرخبيل الأندونيسي من جنوب الهند وليس من شبه جزيرة العرب، ويكفي أن نذكر القارئ بالحقيقة التي لا يمكن إنكارها وهي أن شكل الإسلام الشعبي وصفته الصوفية (…) تشير إلى أن جنوب الهند كانت الارض التي انتقل منها الإسلام إلى ماليزيا”[5].

وللصوفية في المغرب نصيب كبير في الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكان لدعوتهم نفوذ كبير وسلطان قوي في قلوب الناس فدخلوا أفواجا في الإسلام، وانتظموا في سلك الدعاة إلى الله على بصيرة من أمرهم، وأهم الطرق الصوفية التي كانت السبب في نشر الإسلام في إفريقيا الطريقة القادرية، والتجانية، والسنوسية.

فأما الطريقة القادرية فقد انتشرت زواياها في غينيا والسودان الغربي وامتدت أيضا من السنغال إلى مصب نهر النيجر[6].

وأما الطريقة التيجانية فقد ساهمت بدورها في نشر الإسلام في إفريقيا السوداء، وتربية الناس على الهدي الصحيح وما فيه صلاحهم في العاجل والآجل فقد شيدوا “معاهد تُدرس الإسلام، ثم يُرجعونهم -أي الطلبة المنحدرين من جنوب إفريقيا بعد استكمالهم الدراسة- إلى أقوامهم دعاة ومدرسيين في المعاهد التي أنشئوها وقد استمروا على ذلك حتى انتشر الإسلام في غرب إفريقيا ووسطها”[7].

وبخصوص الزاوية السنوسية فكان لها دور كبير في نشر الإسلام في جنوب إفريقيا، ونخص بالذكر شيخها محمد بن علي السنوسي، حيث أنشأ مجموعة من الزوايا في “أبي قبيس بمكة، ثم مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أنشأها في ليبيا والجزائر والصحراء حتى وصل إلى بحيرة تشاد في وسط إفريقيا (…) تدعو الوثنيين وبقايا العناصر القديمة إلى الإسلام في وسط إفريقيا وسواحلها، ودخل استجابة لهذه الدعوة القوية المستمرة عدد لا يحصر إلا بألوف الألوف في نيجيريا وغانة وغينيا والسنغال والكونغو وتشاد وأوغندا وروديسيا وغيرها من وسط إفريقيا..”[8].

وبسبب هذه الجهود العظيمة، والأعمال الجبارة التي قام بها ويقوم بها الصوفية، انتشر الإسلام في العديد من بقاع الأرض، واستعصى على المستشرقين والمبشرين رد الناس عن دينهم رغم الإغراءات والعروض المثيرة، يقول الرحالة جوزيف تومسون في تقرير له نشرته التايمز في 14/11/1887م عند حديثه عن انتشار الإسلام في إفريقيا: “إذا بلغنا غربي إفريقيا والسودان الأوسط نجد الإسلام كجسم قوي تدب فيه روح الحياة والنشاط، وتتحرك فيه عوامل الحماسة والإقدام كما كان في أيامه الأولى، فترى الناس تدخل فيه أفواجا أفواجا وتقبل عليه بإقبال عجيب شبه أيامه السالفة، نرى فيه أشعة نوره منبعثة من شوارع سيراليون وآخذة في إنارة بصائر القبائل المنحطة في وهاد الجهالة الآكلة لحوم البشر عند منبع النيجر”[9].

يتبين مما سبق أن الصوفية قاموا بدور كبير وهام في نشر الإسلام وتعاليمه السمحة على نطاق واسع، وأسسوا مدارس ومعاهد لنشر العلوم الإسلامية ومحاربة العقائد الفاسدة والبدع والضلالات ونشر الهدي الصحيح المبني على الكتاب والسنة.

—————————-

1. الدعوة إلى الإسلام تاريخها في عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والتابعين والعهود المتلاحقة وما يجب الآن، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، ط1، 1996م، القاهرة، مصر، ص: 77.

2. قلائد الجواهر في مناقب عبد القادر، للعلامة محمد بن يحيي التاذفي الحلبي، وبهامشه كتاب فتوح الغيب، ط3، 1375هـ/1956م، شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، ص: 19.

3. قلائد الجواهر في مناقب عبد القادر، ص: 18.

4. ظاهرة انتشار الإسلام وموقف بعض المستشرقين منها، محمد فتح الله الزيادي، المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان، طرابلس، ليبيا، ط1، 1392هـ/1983م، ص: 223.

5. ظاهرة انتشار الإسلام، ص: 227-228.

6. ظاهرة انتشار الإسلام، ص: 221.

7. الدعوة إلى الإسلام، ص: 80.

8. المصدر السابق نفسه، ص: 81.

9. ظاهرة انتشار الإسلام، ص: 219.

أرسل تعليق