4. الجهود العلمية
اعتنى الصوفية المغاربة بالعلوم المختلفة، وعملوا على حفظها ودراستها، وتدريسها ونشرها، وكانت للزوايا وما تزال آثار مجيدة ومفاخر عظيمة في الحفاظ على هذه العلوم، حيث احتلت العلوم الشرعية المرتبة الأولى من حيث الاهتمام، كعلم العقيدة، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث..، كما اهتموا بجمع الكتب ونوادر المخطوطات فأسسوا مكتبات ضخمة، واهتموا بتشييد المدارس والمعاهد، ومحل سكنى الطلبة، مع الاهتمام بشؤونهم..
• عنايتهم بالقرآن الكريم وعلومه
ومن بين الصوفية الذين وقفوا حياتهم على تدريس القرآن الكريم وإقرائه للطلبة:
الشيخ المقرئ سيدي محمد بن محمد ابن عمر اللخمي (تـ 794هـ) كان آية في العلم والعمل والصبر على مشاق العلم، فقد حلاه صاحب سلوة الأنفاس: “بالشيخ الفقيه، المحدث الجليل، الأستاذ المقرئ الراوية الحفيل البركة الصالح، المتخلق الواضح، الغيث الهاطل(..) انفرد –رحمه الله– بعلوم الرواية في هذا القطر المغربي، وجلس للإقراء بفاس مواظبا عليه صابرا محتسبا لله”[1].
والشيخ العارف سيدي أحمد بن يوسف الملياني (927هـ)، صاحب المفاخر العالية، العالم العامل القدوة الفاضل، المتمكن في علم القراءات، حلاه صاحب السلوة: “بالشيخ الولي الصالح القطب الغوث الزاهد العارف، العالم المحصل الناسك، المقرئ بالقراءات السبعية المحقق الحجة”[2].
والشيخ الشهيد العالم العامل المحمودة آثاره، والمنتشرة أخباره، أبو محمد سيدي الحاج عبد السلام بن أحمد المدعو حمدون بن علي بن أحمد جسوس (1121هـ)، الفاسي المنشأ والولادة والدار، حلاه صاحب السلوة: “بالشيخ الشهيد الموفق الرشيد الإمام العلامة المشارك الفهامة شيخ المعارف والفضائل وإمام الأكابر والأفاضل، وصدر المجالس والمحافل الصوفي الأنوار، الصالح البركة الأشهر”[3].
كان رحمه الله كثير التدريس والإقراء للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، حيث “يستحضر معارضات الآيات، ومعارضات الأحاديث، وأجوبتها، وما هو من ذلك صحيح وسقيم، ويستحضر مأخذ المتصوفة من الكتاب والسنة، يقرر كل ذلك بعبارة سهلة واضحة موفية بالمراد”[4]. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تبحره وتمكنه من ناصية العلوم ورسوخ قدمه في جبل العلم، وقوة حافظته، وتوقد فكره.
وكان غالب تدريسه: صحيح البخاري، والشمائل، وسيرة اليعمري، والشفا، وتفسير الجلالين، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني، وابن عاشر، ومختصر خليل وغيرها.. “وكان له مجلس حفيل (..) وكان إليه الرجوع في مسائل المعاملات والنوازل والأيمان، يحل مشكلها ويبين معضلها”[5].
والمؤدب سيدي عبد الرحمن الدراوي (تـ 1059هـ)، الشيخ الفاضل الذي أفنى عمره في تدريس القرآن وإقرائه، مع حرصه الشديد وتعلقه المتين بالمسجد والمكتب الذي يدرس فيه، فقد كان يدفع أجرته التي يحصل عليها لإصلاح وترميم المسجد والكُتَّاب، جاء في ترجمته: “الشيخ الفقيه الصالح الزاهد الورع الناصح، أبو زيد سيدي عبد الرحمن الدراوي، كان رحمه الله يؤدب الصبيان بمكتب درب الغرابلي من عدوة فاس الأندلس، ويؤم بمسجده فإذا قبض أجرة ذلك، أصلح منها المسجد والمكتب، وما بقي تصدق به”[6].
والمقرئ سيدي أحمد بن محمد ابن القس السراج (تـ 759هـ)، وهو من أسرة علمية بالأندلس، ندر حياته في سبيل تعليم القرآن وتدريسه، معمور الأوقات، لا تجده إلا مُقرئا ومدرسا للقرآن أو ناسخا للمصحف الشريف بهدف نشره وتوزيعه، أو خاليا مع مولاه يناجيه، فقد ذكر صاحب سلوة الأنفاس أنه رحمه الله كان: “مواظبا على تلاوة القرآن وكان له ورد من التنفل في النصف الأخير من الليل (..) وأقرأ القرآن العظيم نحوا من خمس وستين سنة وكتب بخطه نحوا من ثلاثمائة مصحفا”[7].
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
————————————
1. سلوة الأنفاس، 2/4-5.
2. نفسه، 2/14.
3. نفسه، 2/18.
4. نفسه، 2/18.
5. نفسه، 2/18.
6. نفسه، 2/46-47.
7. نفسه، 2/74.
التعليقات