شيوخ التربية.. المهام والفاعلية داخل المجتمع
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
جهود الصوفية في تحقيق الأمن العقدي
التصوف في المغرب ثابت من ثوابت الهوية الدينية المغربية، بجانب الفقه المالكي والعقيدة الأشعرية، يقول عبد الواحد بن عاشر:
في عقد الأشعري وفقه مالك وفي طريقة الجنيد السالك
هذه الأسس التي اختارها المغاربة عن قناعة ودافعوا عنها بكل استماتة، شكلت مفخرة جيلا بعد جيل، حيث أعطت للمجتمع المغربي كل مقومات الوحدة والتماسك ونبذ كل ما من شأنه النيل من وحدة المجتمع واختياراته.
وعلى هذا الأساس نجد شيوخ التصوف يشددون على ضرورة التوحد والالتفاف حول ما اختارته الأمة، ونبذ كل أسباب التفرقة والتشردم، وبخاصة في الجانب العقدي الذي هو فيصل التفرقة بين المسلم والكافر، يقول عبد الوهاب الشعراني: “أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نفر من جماعة اجتمعنا معهم على أمر فيه إقامة للدين كالجهاد في سبيل الله أو أمر بالمعروف نعين عليه أو إزالة منكر أو مجلس ذكر لله تعالى، إلا لضرورة شرعية، لاسيما إن كان الناس ينفرون عن ذلك الخير تبعا لنا”[1]. حيث عمدوا إلى محاربة الأفكار الضالة بالقلم، من خلال مؤلفاتهم ورسائلهم، وإن اقتضى الحال بالسيف لاستئصال الخطر المحذق بالعقيدة الصافية.
وفي هذا المقال المقتضب سأحاول أن أسلط الضوء على بعض النماذج من الصوفية الذين أبلوا البلاء الحسن في تحقيق الأمن العقدي.
1. الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش: “استشهد سنة 622 هـ” فقد كلفه رحمه الله مواجهة الفتان ابن أبي الطواجن مدعي النبوة والذي سبَّبَ في قيام فتنة عظيمة وتبعه الناس في ضلالته، أن جاد بحياته صدعا بالحق وخوفا على الأمن العقدي للناس واستقرارهم، وكرامتهم، يقول صاحب الاستقصا عن سبب شهادته: “وكان سبب شهادته أن محمدا بن أبي الطواجن الكتامي، كان قد ثار بتلك البلاد، وانتحل صناعة الكيمياء، ثم ادعى النبوة، حسبما سلف، وتبعه على ضلالته طغام غمارة والبربر، فكان عدو الله يغص بمكان الشيخ، رضي الله عنه، لما آتاه الله من شرف التقوى والاستقامة، المؤيد بشرف النسب الصميم، والعنصر الكريم، فسول له الشيطان أنه لا يتم أمر مخرقته في تلك الناحية إلا بقتل الشيخ، فدس له جماعة من أتباعه وأشياعه، فرصدوا الشيخ حتى نزل من خلوته في سحر من الأسحار إلى عين هنالك قرب الجبل المذكور، فتوضأ منها، وولى راجعا إلى محل عبادته، وارتقاب فجره، فعدوا عليه وقتلوه”[2].
2. الشيخ عبد الله الورياجلي: وقد كان من عادتة أنه يدرس في فصلي الشتاء والربيع، ويرابط بالثغور في الصيف والخريف، “فلما رجع في أول فصل الشتاء وبات بالقصر بمدرسته، فلما أصبح غدا إلى كرسي تدريسه وهو في البلاط الغربي من المسجد، فلم يجد أحدا إلا القارئ الذي يقرأ بين يديه، فسأله عن الطلبة والناس، فقال له: يا سيدي إنهم قد ذهبوا كلهم والناس معهم أجمعون إلى رجل في مقصورة المسجد ورد وأنت غائب، وله دعوات يدعيها ويزعم أنه عيسى ابن مريم، وتظهر عليه خوارق وانفعالات، وتنزل بين يديه موائد من الطعام من حيث لا يدري أحد من أين تأتي، فقال الشيخ: اذهب بنا إليه، فلما دخل على الرجل المذكور وجد عنده آلاف من الخلق، فجلس الشيخ وقال له: أخبرني عن الواجب والجائز والمستحيل في حق الله تعالى وفي حق الرسل عليهم الصلاة والسلام، فلم يجبه بشيء، فخاطبه بالبحث عن حاله، فقال له: أنا عيسى ابن مريم، وكان اسمه برزيز، ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ثم لطم برزيز على وجهه وحبسه بشعر رأسه، وأمر أصحابه بضربه وجره حتى ظنوا أنه مات، وجروه إلى مزبلة وطرحوه عليها وتفرق الناس عنه وصاروا ينتظرون وقوع المصيبة بالشيخ لأجل فعله ذلك ببرزيز، ثم إن الشيخ أمر بأن يحمل برزيز إلى السجن، فحمل إليه وبقي به أربع أشهر، فأرسل إلى الشيخ وقال: إني تبت إلى الله فخل سبيلي، فأمر الشيخ بتسريحه، وغاب عن القصر سنتين اثنين، فبينما الشيخ يوما وهو يمشي مع أصحابه بإزاء غدير البرمة خارج باب الوادي، وإذا برجل طلع عليه، فسلم على الشيخ وصار يقبل حافر فرسه، وعلى عاتقه لوح القراءة وشكارة معه، قال له: من تكون يا أخي؟ فقال له: الرجل الذي أسلم على يديك، أنا برزيز، قال له الشيخ: عرفنا بقضيتك، فقال: كنت مع شيطان من الجن، واشترط عليَّ أن ندعي النبؤة ويأتيني هو بكل ما نريد، ويدخل في جدور الحيطان ويكلم الناس بتصديقي، فيتوهم الناس أن الجماد قد تكلم، من اليوم الذي ضربتني فيه لم أره ولا أتى إليَّ، وإني لازمت تعليم العلم وتبت إلى الله، وجئتك لآخذ عنك ديني حيث منَّ الله عليَّ بالإسلام على يدك، فلازم الشيخ وصلح حاله وكان من خيار أصحابه”[3].
3. الشيخ الحسن ابن مسعود اليوسي: فهو بدوره تصدى للطائفة المسماة بالعكاكزة، هذه الطائفة التي شكلت تهديدا حقيقيا للأمن العقدي بعد أن استطار خبثهم واستشرى جرمهم، ولم يسلم منهم أحد، فقد أرسل رحمه الله رسالة يحث فيها السلطان مولاي الرشيد على استئصال شأفتهم وكسر شوكتهم، يقول رحمه الله في رسالته هاته: “فتعين على ولي الأمر وهو سيدنا السلطان، السعيدة أعلامه، الحميدة أيامه، أعلى الله كلمته لإعلاء الدين، وعزز نصره لإخماد المجرمين المعتدين، وأبقى وافر فضله منهلا للشارعين، ووارف ظله معقلا للضارعين، أن ينهض انتهاضا تاما في إطفاء الشر الفظيع، وتغيير هذا المنكر الشنيع”[4].
نستنتج مما سبق أن الصوفية المغاربة عملوا على تثبيت الدين الإسلامي الصافي في قلوب الناس، ومحاربة كل أشكال البدع والانحراف عن المنهج القويم والسوي، فهم حماة العقيدة على الحقيقة..
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
————————————-
1. لواقح الأنوار القدسية، 723-724.
2. الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى، 3/254.
3. دوحة الناشر، 35-36.
4. رسائل أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي،1/274.
أرسل تعليق