شروط المربي
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
وضع الصوفية سلسلة من الشروط التي يجب أن يتحلى بها المتصدر للمشيخة لكي يكون أهلا لهذا التكليف الرباني، هذه الشروط هي ثوابت في حق الشيخ المربي نظرا لخطر وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وباستقرائنا للشروط التي وضعها الصوفية للشيخ المربي -وإن اختلفوا في تعدادها- فيمكن أن نجملها في أربعة شروط رئيسية وهي: معرفة الفرائض العينية، الإذن، اتصال السند، والخبرة التامة.
2- الإذن: (تابع)
هذا الشرط يعتبر ركيزة أساسية عند القوم فلا يجوز لأحد أن يتصدر للمشيخة دون حصوله على الإذن أو الإجازة من شيخه في الدلالة على الله تعالى.
بعد الحديث في المقال السابق عن تعريف الإذن، والتأصيل له، سنتحدث في هذا المقال عن مصدر الإذن.
فباستقرائنا لكلام الصوفية نجد أن الإذن يأتي من جهتين هما:
الإذن من الحضرتين: الأحدية والمحمدية، أي من الله ورسوله، ثم الإذن من الشيخ.
فقد سئل الشيخ الوزاني عمن ادعى أن الله ورسوله أذنا له في تربية الخلق، وأنه يتكلم في جميع أحواله بإذن الملك الحق، فأجاب رحمه الله: “أما دعوى الإذن من الله ورسوله في تربية الخلق فلا غرابة فيها إذا صدرت من أهلها وقضت القرائن الحالية والمقالية بصدقها، وقد ادعى ذلك غير واحد، كالجيلاني والشاذلي رضي الله عنهما وغيرهما من الأكابر المسلم لهم في علم الباطن والظاهر، وشواهده من الكتاب والسنة كثيرة مذكورة في كتب القوم”[1]، ويقول الإمام الشعراني: “ومن شروطهم أن لا يجلسوا في مقام المشيخة إلا إن أجلسهم أستاذهم أو نبيهم من طريق كشفهم الروحاني، أو يجلسهم ربهم بما ألقى إليهم في سرهم من طريق الإلهام الصحيـح”[2].
ويقول أبو عبد الله الساحلي في معرض حديثه عن من انتصب للتلقين وتصدى للمشيخة ما نصه: “وتخلص من نفسه على يد وارث آخر حتى صار على بينة من ربه، وأهله الله لهداية غيره، وخصصه بالقوة المقتضية ذلك، وحصل له الإذن الصحيح الصريح في ذلك من قدوته، ومتى قصر عن هذه الأوصاف فهو معلول”[3].
ونصوص الصوفية في اشتراط الإذن كثيرة نظرا لخطورته فهو -أي الإذن- شهادة على أن الشخص مؤهل لسلك الإرشاد لا رغبة منه في التربع على ذلك المنصب استجابة لداعية هواه، ثم إن هذه الشهادة تعطي حصانة للمتصدر للمشيخة فقد “نص الأئمة على أنه يُلَّبس على من لم يخدم الشيوخ أو لم يأذنوا له وإن كان صحيح الحال، فيقع ويوقع في مهاوي الهلكة وأودية الضلال، فليس كل من ثبت تخصيصه كمُـل تخليصه”[4].
كما أن هذا الشرط يُطَمئِن المريدين عمن يأخذون سلوكهم وتربيتهم حتى لا يقعوا في شراك المدعين “لأن الشيخ إذا لم يكن عارفا بطريق السلوك ودواء المريدين وجلس يربي المريدين بما يأخذه بطريق الكتب طلبا للرئاسة أهلك نفسه وأهلك من تبعه..”[5].
إذن فالإذن “أساس التوفيق والهداية وحصانة للشيخ وللمريدين”[6].
لكن الإذن المعتبر عند السادة الصوفية، هو الإذن: من الشيخ لمريده بأنه مؤهل لتربية المريدين، أما الإذن من الله ورسوله فيصعب التحقق منه لكثرة المدعين، وربما قد يلتبس على الشخص وهو لا يشعر فيظن أنه أهل لذلك المنصب فيَهلك ويُهلك من معه.
————————————————-
1. المهدي الوزاني، النوازل الجديدة الكبرى فيما لأهل فاس وغيرهم من البدو والقرى المسماة بالمعيار الجديد الجامع المعرب عن فتاوي المتأخرين من علماء المغرب، تحقيق عمر بن عباد، ط 1 / 1421 هـ – 2000، مطبعة فضالة، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية، 12/ ، 12/ 93 – 94.
2. عبد الوهاب الشعراني، الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية، مرجع سابق، 2/210.
3. المهدي الوزاني، مرجع سابق، 12/ 87.
4. المهدي الوزاني: النوازل الجديدة، مرجع سابق، 12/ 91.
5. عبد الوهاب الشعراني، الأنوار القدسية، مرجع سابق، ج 2، ص: 210.
6. أحمد لسان الحق، الحقيقة القلبية الصوفية ودورها في إصلاح الفرد والمجتمع وحل مشاكل الإنسانية بروح التسامح والمسالمة في السلوك الصوفي، ط 1 / 1420 هـ – 1999، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء المغرب، ص: 38. (بتصرف).
أرسل تعليق