شروط الشيخ المربي
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
وضع الصوفية سلسلة من الشروط التي يجب أن يتحلى بها المتصدر للمشيخة لكي يكون أهلا لهذا المنصب الشرعي الهام، هذه الشروط هي ثوابت في حق الشيخ المربي نظرا لخطر وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وباستقرائنا للشروط التي وضعها الصوفية للشيخ المربي -وإن اختلفوا في تعدادها- فيمكن أن نجملها في أربعة شروط رئيسية وهي: معرفة الفرائض العينية، الإذن، اتصال السند، والخبرة التامة.
ب. الخبرة النفسية
أن يكون للشيخ دراية بمكايد النفس وتلوناتها وأغراضها الدَنِية وعوائدها القبيحة، كما يجب عليه معرفة الأدوية القلبية وكيفية صقلها وترقيتها إلى أعلى المراتب: من نفس أمارة بالسوء إلى لوامة راضية ومرضية، ثم عارفة كاملة، يقول ابن عجيبة وهو يؤكد على ضرورة توفر هذا الشرط في حق الشيخ: “إن الشيخ لا بد أن يكون قطع مهامِه النفوس، وجال في ميدان محاربتها في قطع شهواتها وعوائدها وما تجنح إليه من رعوناتها ومألوفاتها، وقطع أيضا مفاوز البعد الذي بينها وبين خالقها، الناشئ عن وهمها وجهلها”[1].
ويقول أيضا في شرحه لبيت ابن البنا السرقسطي:
قد أحكم التشريح والمفاصل *** وصار علم الطب فيه حاصل
يشترط في الشيخ أن يكون قد أحكم علم تشريح القلوب واطلع على أسباب فسادها وصلاحها وصحتها وسقمها عارفا بعلاج أمراضها وعللها..”[2]، وعمدته في معرفة تلك التلونات الدقيقة والخفية للنفس والأحوال القلبية، هي البصيرة النافذة والفراسة الصادقة “فمشايخ التربية المأمورين بدعوة الخلق لا بد لهم من ذلك، إذ هم أطباء القلوب، ولا علاج إلا بعد معرفة الداء، وطريق معرفته البصيرة النورانية والفراسة الإيمانية التي تنكشف لها السرائر انكشاف الظواهر”[3]؛
ج. الخبرة الميدانية [العلم بمعادن الناس أو فقه الواقع]؛
فلا بد للشيخ من معرفة أحوال الناس وعقلياتهم وطباعهم، وكذا طبقاتهم وكيفية معاملاتهم، فكما أن المعادن فيه الإبريز والبهرج فكذلك سلوك الناس وطباعهم.
فهذا النبي صلى الله عليه وسلم إمام المزكين يقول: “تجدون الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشدهم له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه”[4].
وهذا العلم يعطي للشيخ صورة عن حال المريد، فيبين له ما هو خبيث وقبيح فيجتهد في معالجته مما يصلح له، وما هو حسن طيب ويحاول استثماره في رفع همة المريد للتعلق بالله، وهذا يعني أن ينزل الشيخ إلى مستوى المريد ولا يزال يرفق به ويتواضع له ويتدرج به، ليبعث فيه الاستعداد لما هو أعز وأعظم وهي المعرفة بالله، وفي هذا المعنى قال بعضهم: “إذا رأيت الفقير فألقه بالرفق ولا تلقه بالعلم فإن الرفق يؤنسه والعلـم يوحشه”[5].
فهذه الوجوه الثلاثة للخبرة والذي يتمم بعضها بعضا أساسية وضرورية بالنسبة للشيخ حتى يكون أهلا للتربية، ويتدرج بالمريد للتحقق بمضامين الدين على الكمال والتمام.
وخلاصة القول، فكل من لم يتحقق بالشروط السالفة الذكر فهو مدع لا يمكن الوثوق به في السير بالمريدين في مقامات التصوف، ومعيار وميزان معرفة الشيخ المربي على الحقيقة هو التحقق مِن توفر جميع الشروط السابقة وقد ابتلي التصوف بكثرة المدّعين الذين أفسدوا هذا المنصب الكبير وانتهكوا حرمته، فعلى طالب الحق التحري والتحرز من المدعين، وذلك بالتحقق والتحري من وجود جميع تلك الشروط محققة في المتصدر للمشيخة حتى لا يضل عن الطريق، قال ابن سليمان الجزولي: ليس كل داع وجب اتباعه، والداعي على الحقيقة هو الذي يدعو إلى الله على بصيرة قال الله تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ” [يوسف، 108] أي معاينة، وقال تعالى: “وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنَ اَنَابَ إِلَيَّ” [لقمان، 14] وقال تعالى في حق المقطوعين: “وَلاَ تَتَّبِعْ اَهْوَاءَ اَلذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ” [الجاثية، 17] وهم كثيرون والذين يعلمون قليلون[6].
——————————————
1. ابن عجيبة: الفتوحات الإلهية، 1/ 156.
2. المصدر السابق نفسه، 1/ 178.
3. المهدي الوزاني، النوازل الجديدة، مرجع سابق، ص: 95.
4. صحيح البخاري، كتاب: المناقب، باب: ما ينهى من دعوى الجاهلية.
5. السهروردي، عوارف المعارف، مرجع سابق، ص: 271.
6. العباس بن إبراهيم السملالي المراكشي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، المطبعة الملكية، الرباط، 1428هـ/ 2007م، ط: الثالثة، 5/68.
أرسل تعليق