شروط الشيخ المربي عند السادة الصوفية
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
وضع الصوفية سلسلة من الشروط التي يجب أن يتحلى بها المتصدر للمشيخة لكي يكون أهلا لهذا المنصب الشرعي الهام، هذه الشروط هي ثوابت في حق الشيخ المربي نظرا لخطر وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وباستقرائنا للشروط التي وضعها الصوفية للشيخ المربي -وإن اختلفوا في تعدادها- فيمكن أن نجملها في أربعة شروط رئيسية وهي: معرفة الفرائض العينية، الإذن، اتصال السند، والخبرة التامة.
1) العلم بالفرائض العينية (تابع)
قال الإمام الجنيد: “من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر؛ لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة”[1].
إلا أن من الشيوخ من شدد في هذا الشرط وألزم لمن أراد التصدر لهذا المنصب أن يحيط بالأحكام الشرعية، ويتضلع في مختلف الفنون والعلوم.
وقد أحسن ابن عجيبة عندما رد على من بالغ في هذا الشرط؛ لأن القدر الواجب العلم به، هو ما يحتاج إليه لإقامة الفرائض العينية، وأما التبحر في العلم الشرعي ليس شرطا في صحة التربية والتزكية، كما أن ذلك الشرط المبالغ فيه، فيه إقصاء للعديد من الشيوخ الذين ليست لهم قدم راسخة وتضلع في العلوم الشرعية.
يقول ابن عجيبة: “أما العلم الظاهر فالمطلوب منه تحصيل ما يحتاج إليه في نفسه فقط ويحتاج إليه المريد في حال سيره وهو القدر الذي لا بد منه من أحكام الطهارة والصلاة ونحو ذلك، إذ كثير من العلوم الظاهرة لا مدخل لها في السير والسلوك إلى ملك الملوك كالدماء والحدود والطلاق والعتاق، وإلا لزم الحط من رتبة كثير من فحول الطريق وأعلام الوجود والتحقيق فقد كان كثير منهم متضلعين بعلوم الشريعة وكثير منهم ليس عنده إلا ما يخصه من الذي لا بد منه. (قلت) إذا عرفت هذا عرفت بطلان من قال: إن شيخ التربية لا بد أن يكون جامعا للعلوم كلها، بحيث لو انقطعت العلوم كلها لأحياها، كيف وقد وُجد كثير ممن اتفق الناس على تربيته وهو أُمي”[2].
ومن المعلوم أن العديد من الأكابر كانوا أميين، مثل أبو يزيد البسطامي، ففي [العوارف]: قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه: “صحبت أبا علي السندي، فكنتُ ألقنه ما يقيم فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صرفا”[3]. ومثل الشيخ يوسف النساج، فقد كان أميا أخذ عنه الإمام الغزالي علوم القوم، وكذلك الغزواني، كان إذا جاءته فُتيا أرسلها إلى تلميذه الهبطي، وكذلك عبد العزيز الدباغ، وغيرهم كثير …
فالشيخ لابد له من معرفة أحكام الشريعة، ولابد له من معرفة حدود ما أنزله الله تعالى على عباده حتى يكون على بصيرة من ربه، لكن لا يُشترط أن يكون متضلعا في علم الظاهر.
يُتبع..
——————————————————-
1. القشيري، الرسالة القشيرية في علم التصوف، ص: 431، تحقيق معروف مصطفى زريق، المكتبة العصرية صيدا بيروت، ط 2005.
2. ابن عجيبة، الفتوحات الإلهية، 1/160.
3. السهروردي، عوارف المعارف، 2/454.
أرسل تعليق