شجرة الشباب تحمل ألف نور ونور.. (2)
ومع هبوب رياح التغيير لابد من الخروج من أبراج الترف لمواكبة مسيرة الحياة الإنسانية والتفاعل معه، ليبدأ عصب الحياة ينبض، ومن كان يستبعد أن تميد الجبال فليعرف اليوم أن الوجود لا يعرف المستحيل، وأمتنا اليوم في صورة الأسد في مدارج الضيم والاستذلال، لكن الحر من الناس لا يشمت بالقوي حين تزل قدماه، فليعرف ذلك من يحس الشماتة بأمتنا اليوم كيف كانت عهودها الزواهر، إن شباب الأمة اليوم يرون العالم المدرج بالدماء من بقايا عصور الوحشية، ومع ذلك فالحق يجعلهم يتواصون بأن يكونوا أنصارا للسلام مهما تلبدت الغيوم وأنا لا أخاف على أمتي وإنما أخاف عليها عادية الجمود، وهل خلقت أمتي للموت، فهي بشبابها أسطع جذوات الخلود، ولن يضيرها هذا العفن الموبوء بأنفاس المرائين والمخادعين، فأنا واثق بنصيبها الأعظم من الخلود مع الخالدين.
إني أحس نفسي تذوب كما يذوب تمثال من الثلج تحت أشعة الشمس الحادة، وأنا أتابع تجارب النجاح والفشل، والأمراض القاسية مع هذه الاكتشافات المثيرة في عالم يموج بالمعرفة، في عصر يحركه العلم وتدفعه التقنية الحديثة إلى آفاق جديدة مع واقع الحياة في أرض الله الواسعة، وأمتي مستسلمة لتيار وضعها في بحر لزج من الطين الرجراج الأسود، يكتنفه الانفجار الحضاري الهادم، ونحن في زمن معجل لا يأذن في الوقوف، ولا يطرب للحسرات، زمان حي متدفق كشباب أمتنا الراهن، الماضي بالنسبة له ذكرى وعبرة، ودرس للغد الزاهر بإذن الله تعالى، لتدعيم أركان السلام والأمن في عالم الناس الموبوء.
وإن الغرس الذي تغرسه الأمة وتظل ترعاه بنفسها وقلبها لن يذوي أو يذبل، ستشاهد الأجيال المقبلة ينعه يوم يثمر، ويقتفي آثار الرواد من الأمة استهدافا لخدمتها وخدمة الإنسانية التي نحن جزء منها، والشباب يتجدد تجدد الخلايا في جسم الإنسان ولا يكون ذلك طفرة، إنه تطور مستمر يؤنس الإنسانية في وحشتها، وينهض بأحمال فوق أحمالها، شباب يعيد للإنسانية فرحتها، وسيضحك الكون بالنور، ويناجي مستقبلا نرجو أن يكون أحلى وأجمل، ولا يفهم أحزان الإنسانية وقوافل العبيد المقيدين بالسلاسل، والشحنات الآدمية الباكية مكدسة بها السفن في نهاية مفجعة، تتلاعب بها أمواج المحيطات والبحار، وعواصف الرهبة والظلام الذي لا عودة منه إلا للشباب الأطهر سريرة، والأنقى من أدران العصبية.
والعصا العوجاء لا تستقيم وهي كالشدائد لا تعرف الأخوة، وكل من لا يستفيد من تجارب الآخرين، سيظل كالطبل الأجوف لا طائل تحته، وهذا مثل للذين انقطعت كل صلة تربطهم بأصلهم الإنساني، والجسم إذا مات حلل نفسه بنفسه، هكذا الأمم الفاشلة تتلاشى، ويغشاها الظلام شيئا فشيئا، وهي ما تزال تحملق بلا فهم ولا وعي، حتى يعم الظلام كل مدارج الحياة الجامدة، إنها الحقيقة تسجل، وعلى الأيام بعد ذلك أن تفسر وتعلل، ولقد صدق الشاعر يوم قال:
هي الأرض كالإنسان تمشي لغاية ونحن بـــــــها ســـرب تخــبط قائده
وخلاص الإنسان مما هو فيه هو العودة إلى الدين، وبغير الدين لا تصفوا محبة الإنسان لأخيه الإنسان، والتجارب علمتنا أن التآخي الإنساني لا يتحقق إلا بوجود شباب مستعد أن يقدم نفسه لرسم حياة أفضل لإنسان هذا العصر المتعجرف، يخطون بخطوات في هذا السبيل، لإنقاذ الحياة من هول المأزق، ويبقى السؤال: ماذا يفعل شبابنا بعد هذا العذاب والألم والدموع والدم والكراهية واليأس؟ والجواب: على الإنسان أن يسعى إلى أخيه الإنسان، ليحطما معا الجليد الذي يفصل بينهما، ويضع يده في يده، ويتجها معا نحو الحق ليزول العنف والكراهية ويوم تشيع المحبة بين الأمة والآخر تتقدم الحضارة البشرية أوسع وأسرع نحو الكمال والجمال.
وأرواح البشر في حظيرة الله عز وجل لا يعلم مكانها إلا هو سبحانه، وبالشجاعة الخارقة والدأب المتصل الذي لا يعرف القنوط، تتعارف أرواح المصلحين الصالحين من الطرفين، وبالصبر والمجاهدة، والمثابرة بلا يأس تتحقق المعجزات على وجه الأرض، لتتألق النجوم الشبابية بشهرة تطبق الآفاق، ويظهر العظماء لكشف الغموض الذي يلف البشرية المدجنة، لكي يخرج من سجنها الرهيب الذي تموت فيه الكفاءات، وتعطي الكفايات حقها في الصعود بالبشرية إلى القمة، وتضمن العدالة للجميع على حد سواء، في مشية متزنة مع الزمن الحديث، بدل الوقت الضائع مع أهل الكهف.
فالشباب هو الحياة، وما الحياة إلا وقفة مع كل مهموم عابس مكدود ورحلة مع كل صورة معذبة ومن عرف الحق أحب الحياة بما فيها ومن فيها ومن ذلك لم يعرف الملل لحظة واحدة، فالحب شباب وعطاء وغذاء، وبالحب تبنى المدن والقرى، وتملأ البيوت والمعابد والمحاريب والمجالس.
والله المستعان
أرسل تعليق