سجلماسة بين شح المعطيات التاريخية وفك الألغاز الأثرية
عودا على بدء، يمكن القول إن الحفريات الأثرية بموقع سجلماسة وإن اتخذت طابعا ظرفيا؛ فإنها كانت مبادرة أولية لمعرفة خصوصيات موقع المدينة “العامرة أو المردومة” اعتمادا على إنجاز أسبار متعددة في أماكن مختلفة، قصد الحصول على المعطيات الأساسية للبقايا الأركيولوجية بهذا الموقع. وبالرغم من الصعوبات الكثيرة التي يطرحها موقع سجلماسة الأثري؛ فإن هذه الحفريات تمكنت من تسليط الأضواء على عديد من المكتشفات يمكن إجمالها فيما يلي:
أظهرت حفريات المسجد الجامع، أن هذا الأخير يعتبر من المعالم العمرانية التي تحظى دائما بعناية الحاكمين والمحكومين على السواء، فكل يعمل حسب إمكانياته حتى يكون المسجد في أحسن حلة. ولعل هذا ما يفسر المستويات الأثرية المتنوعة التي كشفت عنها الحفريات والتي تمثل سجلا تاريخيا لمراحل البناء والإصلاح بالمسجد على مرور مختلف العهود. وكشفت هذه الحفريات النقاب عن أربع مستويات مختلفة على الأقل:
• مستوى ينتمي إلى ما قبل وصول المرابطين أو إلى فترة سيطرتهم النهائية على سجلماسة؛
• مستوى توسيع المسجد في عهد الموحدين؛
• مستوى التجديد على يد السلطان مولاي إسماعيل؛
• مستوى إعادة البناء من طرف السلطان سيدي محمد بن عبد الله.
محاولة تحديد وظيفة البناية التي تقع وسط وادي زيز، والتي يفترض أنها عرفت مرحلتين من الاستغلال:
الأولى ربما كحمام عمومي والذي تعبر عنه الطبقات الأثرية السفلى التي يتراوح عمقها بين متر واحد ومترين ونصف أمتار؛
المرحلة الثانية: تمثلها الطبقات العليا وهي عبارة عن حوض وقناة مائية، وهما يشكلان ولا شك أجزاء من الناعورة ترتبط بشبكة مائية كانت تزود مرافق سجلماسة أو القصبة السجلماسية بما تحتاجه من المياه سواء المستعملة في الشرب أو السقي.
وقدمت حفريات البعثة المغربية الأمريكية معلومات هامة حول السور الغربي لسجلماسة. فقد كشفت الأسبار المنجزة داخل بعض الأبراج عن مستويين مختلفين في البناء ويقعان فوق مستوى سابق يمكن أن يؤرخ بالقرن -الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي- أو القرن -السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي-.
وأثبتت الدراسة الطبوغرافية التي قام بها (طوني ويلكنسن) Tony Wilkinson أن سجلماسة كانت عبارة عن مدينة تمتد على طول وادي زيز وكانت لها أربعة أبواب رئيسية هي: باب الساحل أو الشرق قرب قصر أمسيفي، وباب القبلة أو الجنوب ويقع بين قصري وطارة وكَاوز، والباب الغربي يوجد قرب ضريح مولاي عبد المؤمن وباب فاس بالشمال قرب قصر المنصورية. كما أبانت التحريات أن سجلماسة كانت محاطة من الشمال والجنوب بعدة أرباض ومعامل صنائعية.
تدقيق المعرفة بموقع سوق ابن عقلة، إذ يلاحظ من خلال الصور الجوية والمسح الأثري أن هذا الموقع يمتد على مساحة تتراوح ما بين كيلومتر واحد وكيلومترين مربعين. كما تم معاينة طريق ضيق ومستقيم يربط بين موقعي سجلماسة وسوق ابن عقلة. وتوصلت الأبحاث إلى اكتشاف بقايا بنايات مستطيلة تحدها المقبرة في الشمال وفي الجنوب من الطريق التي تخترق هذا الموقع. وتوجد في الوسط تشكيلات عمرانية مربعة ومحصنة تمتد على مسافة 90 متر من الشرق إلى الغرب، وعلى 80 متر من الشمال إلى الجنوب. ويظهر من هذه البقايا أنها كانت تمثل فندقا أو قصبة، وأن هذا السوق كان يحيط بالحقول ويمثل امتدادا طبيعيا للمدينة الأم “سجلماسة” وكان يمثل محطة لقوافل التجارة البعيدة الآتية إلى سجلماسة أو الذاهبة منها.
الخزف المكتشف خلال هذه الحفريات يمكن تصنيفه إلى ثلاث مجموعات:
المجموعة الأولى: توجد في الطبقات العليا وتنتمي إلى الصناعة الخزفية البحايرية والمؤرخة ما بين نهاية القرن -الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي- [تاريخ بناء القصبة السجلماسية] وبداية القرن -الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي- [تاريخ تخريب القصبة]. يتميز خزف هذه المجموعة بوجود طلاء لامع ذي لون أخضر أو أصفر أو بني وأهم أوانيه هي الأقداح، والجرات والصحون. ويضاف إلى هذا الصنف الخزف المستورد من المناطق والمدن الأخرى وخاصة من مدينة فاس؛
المجموعة الثانية: ترجع إما إلى المركز الخزفي المشيد على أنقاض مدينة سجلماسة ابتداء من نهاية القرن -الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي- أو بداية القرن -التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي- وإلى غاية تشييد القصبة السجلماسية في نهاية القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي، أو إلى الواردات من مصانع أخرى؛
المجموعة الثالثة: وجدت بالطبقات السفلى للأسبار وترجع إلى المعامل السجلماسية الواقعة بغرب وادي غريس وإلى مراكز أخرى قريبة أو بعيدة. وتؤرخ ما بين القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي ونهاية القرن -الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي-. وتتميز بتقنية إنتاجية عالية وبتكوين صلصالي جيد يتخذ لونا أصفرا أو أبيضا مع سمك رقيق وتمثل أغلب قطعها الأواني ذات الاستعمال المنزلي. وتنتمي القطع الخزفية المجمعة على السطح بموقع سوق ابن عقلة، في أغلبها إلى الصنف الأخير. ويظهر أن الآنية المستوردة كثيرة جدا بهذا الموقع بالمقارنة مع ما يوجد فوق موقع سجلماسة..
-
جازاك الله خيرا على هذه الإلتفاتة التاريخية الهامة لهذه المنطقة الغالية
-
شكرا لك على هذا الموضوع التاريخي الهام لكل باحث في التاريخ المغربي
التعليقات