سجلماسة المدينة العامرة المردومة.. (6)
المناخ
تعتبر سجلماسة وكما وصفتها المصادر التاريخية أنها تخضع لمناخ قاري شبه جاف يتميز بتعاقب فصلين أساسيين: شتاء بارد قارس يكون مصحوبا برياح باردة وجافة مع رطوبة جد ضئيلة، ثم فصل صيف حار جدا وجاف يتزامن مع هبوب الرياح الشرقية الحارة. وباعتبار موقعها الشبه الصحراوي فيما وراء جبال الأطلس الكبير وعلى علو منخفض [765 مترا فوق سطح البحر]، وقد أشار المقدسي “أن سجلماسة شديدة الحر والبرد جميعا صحيحة الهواء“[1]. أما الحميري فقد ذكر أن سجلماسة “بلد مفرط الحر شديد القيظ وأن الماء بها قليل“[2]. بينما يصف ابن الخطيب سجلماسة بأنها “أم البلدان المجاورة لحدود السودان.. والجفاف بها شامل، والجو يسفر عن الوجه القطوب، والمطر معدود من الخطوب، لبناء جدرانها بالطوب”[3].
ويقول محمد بن الحسن الوزان “إن الحرارة تشتد في فصل الصيف وكثيرا ما يجف النهر في هذا الفصل من السنة ويقل الماء جدا بحيث لا يجد الناس غير الماء المالح المستخرج من الآبار“[4]. الحرارة إذن تبقى جد متباينة بين فصلي الشتاء والصيف. نفس الشيء يقال بالنسبة لحرارتي الليل والنهار، حيث المدى الحراري يظل مرتفعا والمعدل السنوي للحرارة قد يصل إلى أكثر من 62،19 درجة في المتوسط.
أما بالنسبة للتساقطات فهي ضعيفة وغير منتظمة بسبب الموقع الجيو مناخي وبسبب التبخر الكبير الذي يبلغ 1159 ملم في السنة[5]. الأمطار تبدأ عادة مع بداية فصل الخريف وتستمر بشكل متقطع إلى غاية فصل الربيع. من الممكن أن يبلغ معدل التساقطات 200 مليمترا خلال السنوات الرطبة و100 مليمترا إلى 50 مليمترا فقط في المواسم الجافة.
اعتمادا على معلومات المصادر التاريخية، يمكن القول إن هذه الظروف المناخية لم يطرأ عليها تغيير كبير منذ الفترة المسماة بـ الوسيطية. وهكذا فقد أشار القلقشندي خلال القرن التاسع الهجري الموافق للخامس عشر الميلادي أن سجلماسة “كثيرة العمارة.. على نهر كثير الماء.. ويزرع على مائه كما يزرع على ماء النيل والزرع فيه كثير الإصابة، والمطر عندهم قليل، فإذا كانت السنة كثيرة الأمطار نبت لهم ما حصدوه في العام القادم من غير بذر”[6]. من جهته أكد الحسن الوزان أن “هذا القسم من إفريقيا أشد حرارة من بلاد البربر لأنه يقع جنوب جبال الأطلس لذلك؛ فإنه يكاد يكون مجدبا وينقصه الماء ولو أن بعض الأنهر ترويه بعد خروجها من هذه الجبال“[7].
الغطاء النباتي
توفر منطقة سجلماسة بساطا أخضرا شبه دائم على شكل واحة غنية بالنباتات والمراعي، ووصفتها المصادر العربية القديمة بأنها مدينة تتوسط سهلا “امتاز بالخصب لوفرة مائه، كانت تكتنفها حدائق وبساتين تمتد على طول وادي زيز.. وكانت هذه البساتين تجود بمقادير وافرة من أطيب أنواع الكروم والتمر وأحلاها مذاقا.. وكانت محصولات الأراضي المجاورة للبلدة تشمل عدا ما قدمنا القطن، والكمون، والكرويا، والحناء، وكلها كانت تصدر”[8].
وعرف المجال الذي أسست عليه سجلماسة “تحولات كبيرة يمكن حصرها خاصة في فترتين: الأولى طويلة ومختلفة في التشكيل وتنتمي إلى عهد سجلماسة، والثانية تبدأ منذ القرن السابع عشر الميلادي، وخلالها قام السلاطين العلويون بتوفير الاستقرار عبر تنظيم الري، وإحياء تجارة القوافل“[9]، لذلك فالغطاء النباتي بهذه المنطقة كان ولا يزال في الغالب، ضعيفا وغير منتظم نتيجة الظروف الطبوغرافية حيث التربة مالحة، وفقيرة إلى المواد العضوية، وكذلك نتيجة العوامل المناخية، حيث التساقطات قليلة، ومتقطعة فضلا عن التبخر القوي.
ويتكون هذا الغطاء أساسا من الأشجار التي تتجانس والظروف السالفة الذكر، بل “أن شجرتين فقط استطاعتا أن تتأقلما مع البيئة الصحراوية بالجنوب الشرقي، وهما شجرة الأثل التي لا تحتاج إلا لقليل من الماء ويستعمل منتوجها في الدباغة، وشجرة النخيل التي لها قدرة على البحث عن الماء في الطبقات الجوفية؛ لأن جذورها تتوغل في أعماق التربة، ويمثل منتوجها القاعدة الأساس لغذاء السكان بهذه المناطق“[10]. ويورد الحميري نوعا من التمر الذي ينتج بسجلماسة حيث يقول “وبها أنواع من التمر لا يشبه بعضها بعضا، وفيها الرطب المسمى البرني، وهي خضراء جدا وحلاوتها تفوق كل حلاوة، ونواتها في غاية الصغر“[11]. ذلك أن النخيل “قديم قدم استقرار الإنسان بالمنطقة تعرض لتعديلات تقنية، طوره العرب عندما استقروا بواحات إقليم سجلماسة. إن الأهمية التي تلعبها هذه الشجرة في حياة السكان، وما توفره لهم من غذاء وحطب، كان له الأثر البالغ في اهتمام سكان هذه الأصقاع بها“[12]. ذكر أحد الباحثين أن شجرة النخيل كانت معروفة بالمغرب وإسبانيا منذ عهود قديمة، بدليل أنها ضربت على نقود بطليموس بن الملك يوبا الثاني، أي منذ ما يزيد عن ألف سنة على الأقل[13].
أما شجرة الأثل أو تاكووت بالأمازيغية فهي من فصيلة tamaris aphylla أو tamaris articulataالتي قد يصل علوها إلى عشرة أمتار وهي ذات وظيفتين: “فهي تقوم بتثبيت الرمال، بينما يصلح إنتاجها في دباغة الجلود. كما تتواجد بالمنطقة أنواع شجرية أخرى مثل الزيتون، والكرم، واللوز، والسدرة التي وصفها الإدريسي بأنها نبات الشوك المثمر بالنبق“[14]. كما تنمو مع أمطار الخريف الأولى بعض الأعشاب مثل الحرمل، والحدج الذي يذكره محمد بن الحسن الوزان في وصفه لبلدة أم الحدج قرب سجلماسة: “ينبت فيها الحدج بكثرة حتى أنها تبدو من بعيد، وكأنه ليمون رمي به في الأرض“[15].
صفوة القول، إن سكان سجلماسة، وفي سبيل تلبية حاجيات الحياة المعيشية من المواد الغذائية والمراعي والحطب، حاولوا جهد المستطاع الحفاظ على اخضرار واحتهم وذلك باستعمال وسائل الري الملائمة، فمن أين يأتي الماء وما هي سبل استغلاله؟
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
————————————-
1. المقدسي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر: كتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، دمشق، مطبعة وزارة الثقافة والإرشاد القومي 1980، ص: 231.
2. الحميري ابن عبد المنعم، الروض المعطار في خبر الأقطار، بيروت، دار القلم 1984، ص: 306.
3. ابن الخطيب لسان الدين محمد السلماني، معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار، تحقيق محمد كمال شبانة. المحمدية، مطبعة فضالة، 1976، ص: 181.
4. الوزان محمد بن الحسن الفاسي، وصف إفريقيا، تحقيق وترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الرباط، الشركة المغربية لدور النشر المتحدة، الطبعة الأولى، 1982. ص: 126.
5. Margat (Jean): “Note sur la morphologie du site de Sijilmassa”, Hespéris. Tome : XLVII, 3° et 4° trimestre 1959. 3 figures dans le texte et une carte du Tafilalet hors texte, pp. 254 – 260 (p: 256)..
6. القلقشندي أبو العباس أحمد بن علي الفزازي، صبح الأعشى في صناعة الإنشا، تحقيق محمد قنديل البقلي، القاهرة، المؤسسة المصرية، ص: 164.
7. الوزان محمد بن الحسن الفاسي، المصدر السابق، ص: 120-128.
8. مجموعة من المؤلفين، دائرة المعارف الإسلامية، الجزء الحادي عشر، ص: 300.
9. Miller (James) et Lightfoot (Dale): “Sijilmassa, the rise and fall of a walled oasis in medieval Morocco”, Annals of the Association of American Geographers. 86/ 1; 1996 pp. 78-101 (p 89)..
10. Mezzine (Larbi): Le Tafilalet, contribution à l’histoire du Maroc aux XVII° et XVIII° siècles. Casablanca, Imprimerie Najah El Jadida 1987. 387 pages (p 266)..
11. الحميري ابن عبد المنعم، الروض المعطار في خبر الأقطار، بيروت، دار القلم 1984، ص: 305.
12. عبد اللوي علوي أحمد: المرجع السابق، ص: 72.
13. Deverdun (Gaston): Marrakech des origines à 1912. Rabat, édition Techniques Nord Africaines. Deux volumes, 1° volume 1959 (p: 89).
14. الإدريسي أبو عبد الله بن محمد بن إدريس، نزهة المشتاق في اختراق الأفاق، ص: 46.
15. الوزان محمد بن الحسن الفاسي، المصدر السابق، ص: 125.
أرسل تعليق