سجلماسة المدينة العامرة المردومة.. (4)
أكدت بعض الأبحاث الأركيولوجية والجيولوجية استنادا إلى ما ذكره البكري على أن سجلماسة كانت تحيط بها مياه وادي زيز من كل النواحي، وأن المدينة كانت في الحقيقة مبنية فوق موقع مرتفع يتكون من صخور ترجع إلى العصر الجيولوجي الأول، وأن هذا الموقع كان يشرف على واحة كانت تغمرها مياه السيول، ومياه وادي زيز، وأن التَدني الحالي لموقع سجلماسة يرجع إلى الترسبات التي تركتها السيول في الواحة خلال تعاقب مختلف العصور التاريخية، ويصل سمك طبقتها في بعض الأحيان إلى 30 مترا[1].
ومهما يكن فاسم سجلماسة يعتبر من الأسماء المشهورة التي وردت في المصادر العربية القديمة، كما جاء ذكرها عند بعض الكتاب الأوربيين ومنهم مؤلف كتاب إفريقيا الذي يؤكد أن سجلماسة ليست “إلا مدينة واحدة تحمل نفس الاسم وتحكم الإقليم كله”[2]. فهي إذن حاضرة شيدت في موقع استراتيجي بين ضفتي الصحراء، “وهذه المدينة متوسطة في الصحراء مسافة ما بينها وبين تلمسان وفاس ومراكش على حد سواء”[3]. مما أهلها أن تصبح بسرعة مدينة عامرة وأن تلعب دورا مهما في تاريخ وحضارة المغرب. أما واقع مدينة سجلماسة اليوم “فأصبحت عبارة عن خراب يظهر على الصور الجوية ممتدا من الشمال الغربي للواحة إلى الشرق من مجرى وادي زيز على مسافة 3،5 كلم طولا وألف متر عرضا”[4].
2. الطبوغرافية
أ. التكوين الجيومورفولوجي
تقع مدينة سجلماسة في قلب واحة يقول عنها البكري: “سجلماسة مدينة سهلية أرضها سبخة حولها أرباض كثيرة وفيها دور رفيعة ومبان سرية ولها بساتين كثيرة”[5]. كما يذكر أحدهم أن سجلماسة تقع في منطقة شبه صحراوية “على أرض مستوية وتربتها سبخة”[6]. فالمدينة بنيت في وسط طبيعي خصب فوق ربوة ذات جوانب حادة، مما ساعد على تحصينها والدفاع عنها. تشكل هذه الربوة المتكونة من قاعدة من الصخور الصلبة، طاولة مسطحة وشاسعة تمتد على عدة أمتار (2000 مترا طولا، وما بين 300 و600 مترا في العرض)، وهي بذلك تكون أيضا الأساس الطبيعي لاتقاء الفيضانات، وتوفر موقعا ممتازا لإقامة مدينة محصنة. ويورد القزويني أن سجلماسة تقع في مقطع جبل درن في وسط الرمال[7]. ويذكر ابن فضل الله العمري أن تربة سجلماسة مالحة[8]. وتجدر الإشارة إلى أن أغلب هذه الأوصاف تنطبق على الواحة ككل، لذلك تبقى مساحة المدينة مع الأسف غير معروفة بدقة. لكن بمعاينة حقل الخراب بالموقع وتحليل الرواية الشفوية، يمكن القول إن مساحة المدينة تتجاوز الربوة التي أنشئت عليها أول مرة وربما وصلت إلى أكثر من 8000 مترا مربعا أي بطول يتراوح بين 4000 و5000 مترا وما بين 1000 و2000 مترا في العرض.
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..
——————————-
1. مزين العربي، “سجلماسة الاسم”، أعمال ندوة سجلماسة تاريخيا وأثريا، الرباط، مطابع الميثاق، منشورات وزارة الثقافة 1988. ص 9-12، ص: 10.
2. مارمول “كاريخا”: إفريقيا. تعريب محمد حجي، ومحمد زنيبر، ومحمد الأخضر، وأحمد التوفيق وأحمد بنجلون الرباط، مكتبة المعارف 1984، نشر الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، ج:1، ص: 43.
3. المراكشي، عبد الواحد التميمي: المعجب في تلخيص أخبار المغرب. تحقيق سعيد العريان ومحمد العربي العلمي. الدار البيضاء، دار الكتاب، الطبعة السابعة 1978/568 ص: 504.
4. Terrasse (Henri): «Notes sur les ruines de Sijilmassa», IIème Congrès de la Fédération des Sociétés Savantes, Tlemcen 14-17 avril 1936. Alger, publication de la Société Historique Algérienne 1936 ; VIII planches hors texte, pp. 581-589 (p 581).
5. البكري أبو عبيد الله: المصدر السابق ص: 148.
6. Fagnan (Eugène): Extraits Inédits relatifs au Maghreb, géographie et histoire. Alger 1924 (p 54).
7. القزويني زكريا بن محمد: المصدر السابق، ص: 42.
8. العمري ابن فضل الله: المصدر السابق، ص: 200.
أرسل تعليق