سجلماسة المدينة العامرة المردومة.. (14)
1. تصنيف المجتمع السجلماسي
ما عدى التقسيم العرقي لسكان سجلماسة؛ فإنه من الصعوبة بمكان الخروج بتصنيف طبقي دقيق بفعل تشابك المصالح والخصوصيات وبفعل ندرة المعطيات التاريخية. كما أن سجلماسة يتمازج فيها نمطان مختلفان: الأول يرتبط بالتنقل والترحال ويندرج فيه الرعي والتجارة البعيدة المدى، ثم نمط الاستقرار المرتبط أساسا بالزراعة. “الصورة التي يمكن أن نقدمها لسجلماسة أنها مركز تجاري، إلا أن معظم سكانها كانوا يتعاطون للفلاحة في أغلب الأوقات من خلال الاعتناء بالنخيل، وسقي الأراضي.. مجتمع تافيلالت مجتمع طبقي مختلط يلعب فيه الأعيان والمرابطون الذين يتكلمون العربية دورا روحيا متميزا“[1].
ويمكن جزافا واعتبارا لما وصلت إليه سجلماسة من رقي حضاري، أن نقترح مبدئيا هذا التصنيف الذي يحاول أن يُعرف بمختلف الفئات حسب تعاقب الأزمنة التاريخية:
أ. فئة الأعيان
وهي طبقة محترمة كانت تستفيد من عدة امتيازات واشتهرت بنمطها المعيشي والثقافي العالي. وتتكون من حكام المدينة، والموظفين السامين، ورؤساء الجند، والقضاة، فضلا عن العلماء ثم الشرفاء وشيوخ الزوايا فيما بعد.
ب. فئة التجار
تتألف من كبار التجار المحليين أو الوافدين الذين يتعاطون لتجارة القوافل مما جعلهم يكدسون الثروات الضخمة. هذه الطبقة ظلت علاقاتها مع حكام المدينة تتحكم فيها التبعية بفعل احتكار الحكام لفرض الضرائب وسك العملة، وكثيرا ما تشابكت العلاقات بينهما بفعل تبادل المصالح، وكان هؤلاء التجار الكبار يقومون أحيانا بتوظيف أموالهم المدخرة سواء في الزراعة الصناعية والتحويلية، أو في شراء الأراضي الفلاحية والمساكن الفاخرة وربما ساهموا في رأسمال الصنائع المختلفة ذات المردودية الجيدة.
ج. فئة العوام
تنتمي إليها كل هذه الطوائف، وتضم صغار التجار والحرفيين والملاكين الصغار وصغار الموظفين، وهي بالرغم من كثرة عدد أفرادها، فإن إمكانياتها وطموحاتها تبقى جد محدودة بفعل العراقيل التي تضعها أمامها الفئتان السالفتان.
د. فئة المحرومين
وتشتمل على الحراثين وعمال البناء والإماء والممالك الذين يتعاطون للخماسة في الحقول أو العمل كخدم عند العائلات الثرية، بينما يظل مستواها الحياتي بسيطا جدا.
إلى جانب هذا التصنيف الخاص بالمستقرين، إن صح وصفهم بذلك، يمكن الكلام كذلك عن فئة أخرى تتمثل في الرحل سواء كانوا عربا أو أمازيغ، والذين كانوا يجوبون المنطقة بحثا عن المراعي. كما تجدر الإشارة إلى أن ساكنة سجلماسة بالرغم من تشكلها الفسيفسائي استطاعت التأقلم فيما بينها وداخل محيطها الجغرافي وذلك من خلال تنظيم محكم يراعي التوازن الطبيعي والاجتماعي، وتوفير الاستقرار السياسي والاقتصادي. يتضح هذا التنظيم من خلال ثلاث مستويات أساسية:
- الاستغلال المكثف للأراضي الفلاحية، واعتماد سقي محكم؛
- تنشيط الحرف والصنائع المختلفة؛
- تفعيل تجارة القوافل بتحويل سجلماسة إلى محور الاتصال بين مدن العالم المتوسطي، وممالك جنوب الصحراء..
وإذا كانت الأدلة المادية الكثيرة تعبر عن تكيف الإنسان والبيئة بسجلماسة؛ فإن المنطقة تعرف نمط حياة جماعية تنعكس ليس فقط في عمليات الإنتاج ولكن أيضا في التجمعات السكنية والحفلات المشتركة الدينية منها والدنيوية. إلا أن قلة الأراضي الصالحة للزراعة “بهذا الوسط الإيكولوجي لم تكن كافية لتكوين زعامات مبنية على تراكم رأس المال”[2].
ينطبق الشيء نفسه على الميدان التجاري الذي استمد نشاطه من محطة مسالكية جعلت من سجلماسة كممر تجاري ليس إلا، “ولم يكن بإمكانها أن تخلق ديناميكية التغيير في الإنتاج ولا أن تخلق فئة اجتماعية قادرة على أن تأخذ بأسباب التغيير. وهكذا كانت الظروف الإقليمية وطبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية تساهم بدورها في خلق فرص مناسبة للتحالف السياسي بين القصور أحيانا وبين المجموعات أو الفئات البشرية”[3].
خلاصة
إن الخصوصية الطبيعية والعمق التاريخي لمنطقة سجلماسة وما تتميز به هذه الخصوصية من توفير عوامل الاستقرار البشري الكثيف والمتنوع الأجناس والمذاهب، كانت من بين العوامل المساعدة على ذلك التساكن والعطاء الحضاري. وكانت أيضا من عوامل تشكل البنية الاجتماعية المتماسكة والعلاقات المنسجمة التي تربط بين مختلف الفئات السكانية.
وكانت نتيجة هذه العوامل أن شهدت المنطقة بروز حاضرة عمرانية لعبت أدوارا كبيرة في مسار تاريخ المغرب الأقصى بصفة خاصة وتاريخ الغرب الإسلامي في علاقته بالمشرق من جهة أو ببلاد السودان من جهة أخرى بصفة عامة.
——————————-
1 Miller (James): «la viabilité de l’environnement dans les oasis du Tafilalet; de l’ancienne Sijilmassa au Tafilalet d’aujourd’hui», l’Afrique du Nord face aux menaces écologiques. Casablanca, Imprimerie Najah El Jadida, 1995. Publication de la Faculté des Lettres et Sciences Humaines, Université Mohamed V Rabat; n° 50 .(pp. 3-19 p 13(.
2. مزين العربي، مذكرات من التراث المغربي، تحت إشراف الأستاذ العربي الصقلي، الرباط 1985، المجلد الرابع، ص: 19.
3. عبد اللوي علوي أحمد، المرجع السابق، ص: 179.
أرسل تعليق