سجلماسة المدينة العامرة المردومة.. (31)
النهاية المأساوية لمدينة سجلماسة
لم يهدأ للوزير عمر بن عبد الله بال منذ أن استقل الأمير عبد الحليم بسجلماسة، وخاصة لما علم أن هذا الأخير يعد العدة للاستيلاء على الحكم المريني بفاس، فحاول الوقوف في وجهه إلا أنه لم يقدر على محاربته “حيث أدرك ما يتمتع به -الأمير عبد الحليم- من قوة بفضل تأييد حلفائه عرب المعقل.. وهذا ما دفعه على قبول وساطة بينه وبين عبد الحليم، والتي تشكلت من زعماء العرب وذلك قصد الصلح“[1] فرجع الوزير عمر إلى فاس بينما استقل عبد الحليم بسجلماسة. إلا أن الأمير عبد الحليم لم ينعم بالاستقرار بسبب المؤامرات التي لم يتردد الوزير عمر بن عبد الله يثيرها في وجهه، وهكذا ثار ضده أخوه عبد المؤمن بتشجيع من عرب المعقل أولاد حسين )سنة 762هـ/1361م(.
وانتهى التمرد بانتصار الثوار الذين احتلوا المدينة على الأقل إلى أن أرسل الوزير عمر حملة عسكرية بقيادة مسعود بن عبد الرحمن بن ماسة (أو ماسي) الذي استولى على المدينة )سنة 764هـ/1363م( وطرد منها عبد المؤمن فعين عليها علي بن إبراهيم بن عبو بن ماسة (أو ماسي). وبذلك نجح في ربط المدينة بالحكم المركزي من جديد. غير أن “ارتباط سجلماسة بمملكة فاس لم يدم طويلا لأن الوزير مسعود بن ماسة ثار بنفسه ضد حكام فاس وأعلن حفيد أبي علي، الأمير عبد الرحمان بن أبي إفلوسن“[2] )سنة 765ه/1364م( والذي حاول أن يسيطر على الحكم المريني ولكنه فشل فألتجأ إلى الأندلس.
في هذه الأثناء بايع علي بن إبراهيم -ابن عم مسعود- )سنة 787هـ/1386م( محمدا بن عبد الحليم بسجلماسة، باعتباره السلطان الحقيقي وكانت فاس حينئذ يحكمها السلطان أبو العباس أحمد. وبذلك دخلت سجلماسة في فترة من الاستقلال عن الحكم المريني ولو إلى حين، لكن ما لبثت أن تطورت الأحداث لصالح السلطان أبي العباس فتمكن من عدوه الوزير ابن ماسة. كما نشب سوء التفاهم بين علي بن إبراهيم ومحمد بن عبد الحليم، مما جعل المدينة تعيش في الفوضى وبدون سلطة حاكمة. واضطر الحاكم السجلماسي مع هذه الأحداث، إلى الاحتماء بأنصاره من عرب المعقل، قبل أن يفشل في استرجاع سلطته، فالتجأ إلى تلمسان وإفريقية، ثم المشرق لأداء فريضة الحج، مقتفيا بذلك آثار أبيه من قبله والذي توفي بالإسكندرية (سنة 766هـ/ 1365م).
وبذلك ظلت سجلماسة تابعة رمزيا على الأقل للحكم المركزي بفاس، لكن وضعها بدأ في التدهور الفعلي، بل وأدى إلى اندثارها بعد أن عانت من الثورات والتمردات بين حكامها وبين هؤلاء وسلاطين بني مرين. ويشير محمد بن الحسن الوزان إلى أن المرينيين عهدوا بحكم إقليم سجلماسة إلى “أقرب الناس إليهم وخاصة أبناءهم. وظل الأمر كذلك إلى أن مات أحمد ملك فاس، فثار الإقليم وقتل أهل البلد الوالي وهدموا سور المدينة، فبقيت خالية حتى يومنا هذا، وتجمع الناس فبنوا قصورا ضخمة ضمن الممتلكات ومناطق الإقليم، بعضها حر، والبعض الآخر خاضع للأعراب”[3].
يتبع في العدد المقبل..
—————————————-
1. حافظي علوي حسن، “الجمون” معلمة المغرب، المجلد التاسع، ص: 3094.
2. Jacques-Meunié (D): op-cit)p: 293.
3. الوزان محمد بن الحسن الفاسي، وصف إفريقيا، تحقيق وترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر. الرباط، الشركة المغربية لدور النشر المتحدة، الطبعة الأولى، ج: 2، ص: 121.
أرسل تعليق