سجال شعري حول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما أعذب الشعر وما أجمله إن كان نابعا من قلب صاف، وجاء على السجية من غير تكلف ولا تعنت، فيلقاه المستمع بالقبول، ويراه الناظر بجلال الحسن مشمول، وكذلك أرجوا أن يكون هذا المقطع من محاورات شعرية دارت بيني وبين الأديب الشاعر الشريف محمد الصادق الإدريسي، ويدور الحديث فيه حول حديث الصادق المصدوق نبينا المصفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
كان السجال جميلا بديعا تطرق لمواضيع كثيرة حتى وصل بنا الحديث إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكتبت إليه قائلا:
للهِ مـــا أحلــى حديـــثَ محمـــدٍ أنْعِم بــــه مـن قائــــلٍ ومقــــــول
شُغِفَت بـه نفسي فلستُ أمَلُّـه حاشــاهُ أن يغدو حديــثَ مَلُــــولِ
لله درُّ الحافظـــــين لـــه فقـــــــد صـانــــــوه من زور ومـن تبديـــــل
جُلْ في رحابـه واتل من صفحاته وحْياً أتــى من محكــم التنــــزيـل
فأجابني بقوله:
والله لـولا مـــا أُحيــطَ بـــه الفَـتــــى من كلِّ شُغـلٍ للحيــــاة شَغــــول
لبقيت حِلسَ[1] البيت منكبّاً على كتبِ الحديــث ولفظهــا المعسول
من كــل مرفــــوعٍ وموقـــوفٍ ومِــــن عــــــالٍ ومقطـــــوعٍ وموصــــــــــول
فأجبته بقولي:
ومن العجـــائب أن ترانـــي تاركـــا لحديثــــــه وأميـــل نحـو بـديــــــل
وأقـــــول إنـي عاشق لصحيحــــه والحــق لسـت بعـاشق متبـــــول
فمــــن الذي يدع الحبيب وينثنـي نحــــو الغريـب بودّه الموصـــــــول
والحِبُّ ليـــس بهــاجــــر أحبابَـــه مهمــــا يكـن بزمانــه مــن طــــول
فرد علي قائلا:
حقــــا أرى ودّي لهـــــم متكلـفــــــا إن لم يكـــن فعلــي وِفَاقَ القِيـــــل
لكنـــــه وَرَدَ الحديــثُ، بحبـهــــــــم يحظى الفتــــى من ودهم بجليـــل
ويكون في الفردوس معْهُم وهْـوَ لم يعمـل بمــــا عملـــوه غيــــرَ قليـــل
فرددت عليه بقولي:
حبُّ النبـي إذا تمكن فـي الفـــــؤا د غَــــدَا بقلـب المـرء كالقنديـــــل
حـبٌّ يُنَسِّيــكَ الغوانــيَ نــــــــورُه ويُريــك للفـردوس خيـــــرَ سبيـــل
يا ليـت ودّه عمَّـنِــي حـتــــى أُرى لا شيء غيرَه في الـدُّنَا يبـدو لـي
فأجابني بقوله:
مـــا الحبُّ إلا ذاك يـــــا رب الـــــــورى بوِصـــــال خير الخلـــق فاشف غليلي
يا ليت شعــــري هل لشعريَ مِدحَــةٌ فيهـم فأظفــر بالمـنـــى والسُّــــــــول[2]
هــــل بعد خـير العالمـيــن مُمَـــــــدّحٌ أو بعد نــــــوْلٍ[3] منه مـن تنـويــــــــل
لكــــن دهــــري لا يجـود بمطلـــــبي إن جـــــاد جــــاد بِخُلـق كــل بخـيــــل
فأجبته قائلا:
ومُناي من أندى الكرام شفاعـــــة إن جـــــــاد كانت غايـة المــأمــول
في موقف ذهلت به الأمُّ الــــــرءو م عن ابنـها من شِـدّت التهــويـــل
فعسَاه يشفعُ لي ويُرشدني إلى سُكنى نعيـمٍ بالتُّقَـــى مأهــــــول
وأكـــون من جيرانــه فــي جنـــــة نعمــــــاؤُهـا خُلـــــدٌ بـــلا تزيـيـــــل
فعقب على قولي بقوله:
في جنة شاء الإله فقــــال كُــــنْ فتكوّنت بَــــدْعاً بـــــدون مثـيــــل
فيحَـــاءُ تـزدادُ اتساعــــــا كلـمـــا زِدنـــــا من التسبيــــح والتهلــيل
فيهــا صنوف العيش فيها كــل ما تهــوى النفـــوس معجّـلا لنزيــــل
وإذا يحــــاول وصف جنـــات الرضا إنْـسٌ فوصـف الظــن والتخـيـــيــل
فرددت عليه بقولي:
أيّــــان أُدركـهــا وقد عُوِّقـتُ مـــن فِتن الهـــوى ومَـــزالق التضلـيــل
أم كيف يحظَى من أضــاع حياته في اللهو من بـارِي الورى بقَبول
حاقَــتْ بـــه الأعـداء ترصدُ خطوَه وتقــــودُه للشــــر بالتّسـويـــــــل
أسَرَتْهُ بالشهـوات فهْـو مُكبّـــــل ويُســــوِّفُ التحــريــر بالتـأجيـــــل
———————————
1. حِلس: حلس البيت هو ما يبسط تحت الفراش، وهو هنا كناية عن لزوم البيت.
2. السول: السؤل.
3. النول: العطاء.
أرسل تعليق