رسالة القرآن في عصر العلم..(1)
رسالة القرآن في الماضي ورسالته في كل عصر
عندما أكرم الله الإنسانية بنزول القرآن كان نزوله بالنسبة لها نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة وخطوة عملاقة لم تعرفها في أي عصر من العصور وأكرم الله أمة القرآن التي استجابت لله والرسول فاستوعبت رسالته العظمى وبادرت إلى الاهتداء بهديه واتخذته رائدها وقائدها ودليلها ومرشدها وجعلت منه المفتاح الذي يفتح به أقفال المعرفة والمصباح الذي تخترق بنوره حجب الكون المجهول.
وبفضل توجيه القرآن الكريم وتربيته العلمية الفكرية والخلقية المثلى وإشادته بمكانة العلم والعلماء وتحريره للعقل البشري من الخرافات والأوهام ودعوته الملحة إلى حل ألغاز الكون والكشف عن آيات الله البينات في الأنفس والآفاق ورسمه الطريق الصحيح والمضمون لنمو العلم وتطوره إلى أقصى الغايات لم يلبت المسلمون إلا قليلا حتى أخذوا يسرحون ويمرحون ويجولون ويصولون في آفاق العلم الواسعة التي لا عهد للبشرية بها وأصبحت لهم الكلمة العليا والقول الفصل في جميع مجالات الحياة التي خاضوها عن بينة وعلى بصيرة وبإيمان راسخ.
واقتناعا منهم بسماحة الإسلام وسعة صدره وامتداد أفقه وإيمانا بأن الله أقامهم حراسا أمناء على تراث الإنسانية جمعاء أخذوا على عاتقهم باسم الإسلام والقرآن أحياء ما اندثر من بقايا العلوم والفنون التي كان الفكر الإنساني القديم قد وصل إليها رغم قلتها وضيق مجالها واختلاط الحق فيها بالباطل والصواب بالخطأ فصححوا ما فيها من أغلاط وأخطاء ووسعوا نطاقها ونقوها من شوائب الأوهام والخرافات والأضاليل والتراهات واستحدثوا منهجا علميا جديدا استمدوه من روح القرآن الذي يعتمد على المشاهدة والتجربة ولا يقبل سوى الحجة والبرهان فابتكروا بفضل المنهج القرآني علوما عديدة فتحت في وجه الإنسانية آفاق جديدة وأصبحت تلك العلوم التي ابتكروها عماد الحضارة وقمة العلم منذ ظهورها على أيديهم حتى اليوم وهكذا رفعوا راية العلم خفاقة في المشرق والمغرب وحققوا رسالة القرآن في العالم على أكمل وجه طيلة عصور الإسلام الذهبية بينما كان غير المسلمين لا يزالون مستغرقين في نومهم العميق. ساردين في ليل الجهالة البهيم تحت وطأة عصورهم المظلمة “أومن كان ميتا فأحييناه ثم جعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها” [الاَنعام، 122] إلا أن الفكر الإسلامي المستمد من القرآن السمح الكريم لم يقتصر على إنارة زوايا العلم الإسلامي بما ابتكره من علوم وفنون إسلامية النشأة والطابع بل فتح الباب في جميع وجه الوافدين عليه من غير المسلمين ومكنهم من أسرار العلم الإسلامي والحضارة الإسلامية دون حذر أو تحفظ فارتووا من معينهما وشربوا من كأسهما حتى الثمالة وعادوا إلى بلادهم يبثون فيها نفائس العلم الإسلامي ومحاسن الحضارة الإسلامية مع تكييفها كلها بما يلاءم بيئتهم الخاصة وكان ذلك بداية النهضة الغربية التي واصلها الغربيون دون انقطاع حتى أصبح لهم في حضارة هذا العصر باع طويل وأي باع “كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا” [الاِسراء، 20].
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق