ذم الهوى.. (3)
قال الله تقدست أسماؤه “وَلَا تُطِعْ مَنْ اَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” [الكهف، 28] وقال: “وَذَرُوا ظَاهِرَ الاِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الاِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ” [الاَنعام، 121].
وبعد فإن المربين الرواد من علماء الإسلام لهم تراث زاخر في قيادة النفوس إلى الحق، وتخليصها من دواعي السوء التي تنزل بها إلى الحضيض، وهم يرون أن سعادة الإنسان ومجده وفلاحه في العاجل والآجل أن يخرج من نفسه،وأن يرتفع بهمته، ومن ثم يناشدونه في حرص وتشديد أن يقاوم ذرائع السقوط، ويوصونه بملاحظة أمور جليلة خطيرة كفيلة بتخليص سقيم النفس وأسير الهوى من الارتكاس فيما هو مرتكس فيه.وهذه الأمور ذكرها ابن قيم الجوزية فأحسن تعدادها والتعبير عنها وهي كما يلي:
أولها: جرعة صبر تحمل نفسه على مرارتها ساعة الإغراء والطلب؛
وثانيها: قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة، وخير العيش ما أدركه العبد بصبره؛
وثالثها: إبقاؤه على منزلته عند الله جل وعلا وفي قلوب عباده، وهو خير وأنفع له من لذة موافقة الهوى؛
ورابعها: التفكير في أنه لم يخلق للهوى وإنما هيئ ورشح لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصية الهوى؛
وخامسها: أن يتأمل في عواقب اتباع الهوى فيجد كم فوتت عليه معصيته من فضيلة، وكم أوقعته في رذيلة، وكم شهوة كسرت جاها، ونكست رأسا، وقبحت ذكرا،وأورثت ذلا وعارا لا يغسله الماء؛
وسادسها: أن يتصور العاقل انقضاء غرضه مما يهواه ثم يتصور حاله بعد قضاء الوطر، وما فاته وما حصل له؛
وسابعها: أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئا إلا أفسده؛ فإن وقع في العلم أخرجه إلى الانتحال والضلالة، وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء، وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم فصده عن الحق فما قارن الهوى شيئا إلا أفسده، وما أطاع أحد هواه إلا وجد في نفسه ذلا؛
وثامنها: أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إلا من باب هواه؛ فإنه لا يفتأ يطوف به ليعرف أين يدخل عليه فلا يجد مدخلا إلا من باب الهوى؛
وتاسعها: أن يتذكر أن مخالفة الهوى تورث العبد قوة في بدنه، وقوة في فكره، وطلاقة في لسانه، وأن أعز الناس دينا ومروءة أشدهم مخالفة لهواه؛
وعاشرها وآخرها: أن الهوى رق في القلب، وقيد في اليد والرجل، وأن صاحبه أسير مغلول… فمن خالف هواه أعتق من رقه فصار حرا، وخلع الأغلال من عنقه، والأصفاد من يده ورجله، واستطاع مسايرة طلائع النجاح والنور..
أرسل تعليق