ذم الهوى.. (2)
قال الله تقدست أسماؤه “وَلَا تُطِعْ مَنْ اَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” [الكهف، 28] وقال: “وَذَرُوا ظَاهِرَ الاِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الاِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ” [الاَنعام، 121] قد طلب الله من عباده أن ينقوا سرائرهم من كل غش، وأن يحفظوا بواطنهم من كل كدر، وأن يتحصنوا من اتباع الهوى، وخطوات الشيطان بمضاعفة اليقظة، وإخلاص العمل، وصدق التوجه إليه جل شأنه، وفي التنزيل سورة كاملة تدعو إلى الوقاية من الهواجس الوضيعة، وتحفظ على المرء إشراقة روحه، ونقاوة جوهره، وهي: “قُلْ اَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ” [الناس، 1-4] فهذه الاستعاذة تصور كيف يلجأ المؤمن إلى ربه، ويستجير بعزته أن يحفظ عليه جمال نفسه وسلامة صدره. والاستعاذة لابد معها من عمل؛ فإذا قال المسلم أو المسلمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فما يجديه هذا إلا أن يكون مقاوما لغلواء الشر مدافعا للإثم الذي يعرض له. أما أن يقول أعوذ بالله وهو مخلد إلى الأرض يتبع هواه فذلك ضرب من التناقض لا يخفى على عالم الغيب والشهادة.
والكمال أن يستقر الإنسان في دخيلة نفسه على حال من السكينة واليقين ييأس معه الشيطان أن ينال منه نيلا وذلك رهين ببذل جهد خالص ومستمر لإصلاح النفس من الداخل، وإصلاح النفس لا يكون بالتستر على عيوبها وتجاهل نقط ضعفها ولا بتقمص لباس القداسة، وتكلف الورع؛ فإن اللباس لا يصنع الراهب كما يقال، ولكن الله تبارك وتعالى لا يهب النور والعلم والحكمة لأحد من عباده إلا إنسانا تعود الإحسان في شؤونه كلها، وفارق ظاهر الإثم وباطنه، وخالف هواه، وتمكن من إحكام أمره، وتسديد خطاه كما قال في شأن عبده يوسف “وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدّهُ واسْتَوى ءاتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ” [القصص، 13]؛ أي مثل ما آتى يوسف من أفضاله جزاء صدق نيته وشرف سيرته يؤتي من يقتدون به في إخلاص القصد وإحسان العمل..
يتبع في العدد المقبل..
أرسل تعليق