دور منظمات حقوق الإنسان في الواقع السياسي.. (2)
تقوم كل المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، ومكاتبها وفروعها المحلية والإقليمية في الدول الإسلامية، بدور مهم في مراقبة انتهاك دول العالم الإسلامي للميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وهذا عمل إيجابي، وقد يشعر بعض مواطني هذه الدول بالمسؤولية العالمية عن مواطني العالم أجمع، في ظل تجاوز بعض هذه الدول لحقوق الإنسان بال بالرغم في الشريعة الإسلامية، قبل أن يكون انتهاكاً للميثاق العالمي لحقوق الإنسان، غير أن لذلك الأمر، وهو وضع كل دول العالم بما فيها دول العالم الإسلامي تحت المراقبة والمتابعة لتطبيق الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، محاذيره وأخطاره، قد يصل الأمر إلى انتقاص سيادة الدولة على أراضيها، وذريعة لتدخل الدول الطامعة في شؤون الدول المستضعفة.
كما أصبح موضوع حقوق الإنسان، موضوعا متشابكا ومعقدا بين الأيديولوجيات الفكرية والأيديولوجيات الإعلامية، والأيديولوجيات السياسية، فهو أحد أسلحة السياسة الخارجية للدول الكبرى[1]، كما يبدو ذلك في استخدام قضية حقوق الإنسان، معيارا في تقديم المساعدات الدولية للدول النامية، فتحجب هذه المساعدات عن الدول التي تخالف، أو تتهم بمخالفة حقوق الإنسان، في نظر الدول القوية، كما ظهرت فكرة إنشاء وظيفة “مفوض سامي” في الأمم المتحدة؛ لمراعاة تطبيق مبادئ حقوق الإنسان في العالم أجمع.
ولا يخفى ما يترتب على تنفيذ ذلك، من مشكلات في الواقع المعقد لنظام عالمي جديد، أعلن عن وجوده منذ انهيار الاتحاد السوفيتي بحدود عام 1990م، ولم تتبلور حتى الآن اتجاهاته وقيمه الأساسية وموازينه، مما يفتح الباب لصور من التدخل غير المسوغ في الشؤون الداخلية للدول، تحت شعار حقوق الإنسان.
إن منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والعالمية معنية أن تخدم قضيتها الأساسية، دون تدخل أطراف أخرى في تقاريرها أو أهدافها، سواء كانت حكومات محلية أو دولاً أجنبية، حتى لو كانت داعمة لها بالمال أو الحماية الأمنية أو غيرها، إن هذه المنظمات الحقوقية أصبحت بمقتضى أهدافها وأنشطتها، ذات مسؤولية كبيرة، وفي عنقها أمانة ثقيلة؛ لأن كل صواب في تقاريرها يفتح الباب لمزيد من الاقتناع بالحقوق الإنسانية وممارستها، وكل خطأ متعمد يفتح الباب لمزيد من التدخل الدولي في البلاد، التي تتهم بخرق مبادئ حقوق الإنسان.
وفي الأيام القليلة الماضية وقف الدكتور ريتشارد فولك موقفاً شجاعاً وهو يقدم تقريره لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والأستاذ فولك أمريكي ورجل قانون دولي، ويعمل في جامعة كاليفورنيا الأمريكية، وهو باحث وكاتب ومحقق في حقوق الإنسان، وقد عينته الأمم المتحدة في عام 2006م مقررا خاصاً لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد الحرب الإسرائيلية على غزة في بداية هذا العام، قدم تقريره أمام مجلس حقوق الإنسان في مقره في جنيف بتاريخ 23/3/2009م وجاء فيه: إن إسرائيل منخرطة ضد حقوق الإنسان في غزة كلها، وطلب أن تسجل الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت في حربها ضد غزة في سجل جرائم ضد الإنسانية، وطالب بإجراء تحقيق دولي مستقر عن تلك الجرائم، وأن الناس تحت الاحتلال يحق لهم مقاومة الاحتلال، فتعرض للهجوم والنقد من المندوب الأمريكي والإسرائيلي[2].
فهذا تقرير حقوقي يشهد بما وقع من انتهاكات لحقوق الإنسان، ومقدمه باحث أمريكي منصف وشجاع، فكم هو حري بالمنظمات الحقوقية الإسلامية أن تتحلى بالأخلاقيات المهنية الصادقة والأمينة، فما يتعرض له المسلمون من انتهاك لمواثيق حقوق الإنسان، أكبر بكثير من الأهداف السياسية التي تسعى لها الدول العظمى، ولا تخدم في نفس الوقت إلا المصالح الاستعمارية لهذه الدولة أو تلك..
يتبع في العدد المقبل..
——————————————–
1. “حقوق الإنسان” والسياسة الخارجية الأمريكية، نعوم تشومسكي، ترجمة: عمر الأيوبي، مؤسسة الأبحاث العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1984م، ص: 22.
2. جاء حديث المراقب الأمريكي في مقابلة معه على فضائية الجزيرة القطرية، بتاريخ 1/4/2009، في برنامج، بلا حدود.
أرسل تعليق