Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دور العقد الاجتماعي بين المواطن والسلطة.. (1)

في فصل سابق تحدثنا عن الحقوق في الأنظمة الشمولية والليبرالية والإسلامية، وقد انقسمت القراءات الفلسفية إلى فلسفة فردية ليبرالية وإلى فلسفة اجتماعية شمولية، وقد وجدنا أن كلتا الفلسفتين لم توفر للإنسان الحقوق الحقيقية، وأن الإعلام الغربي هو الذي كان يتحدث عن الحقوق وليس المواطن نفسه، بدليل أن الانهيارات الاقتصادية والسياسية التي حلت بأوروبا الشرقية والغربية في العقود الأخيرة كانت نتيجة فلسفات شمولية وليبرالية خاطئة ومتهورة، والفارق بينهما أن انهيار الأنظمة الشمولية كان أسرع؛ لأنه كان أكثر حرماناً للإنسان والناس من أبسط حقوقهم البشرية، في المأكل والمشرب والمسكن، كما وقع مع المنظومة الاشتراكية وحلف وارسو في أوروبا الشرقية في العقد الأخير من القرن الماضي، وكما هو حاصل الآن مع الانهيار الاقتصادي للأنظمة الرأسمالية الليبرالية.

ومما ينبغي التنبه إليه هو أن الانهيارات المتلاحقة للحضارة الغربية، وإن كانت في ظاهرها اقتصادية وسياسية، إلا أنها في حقيقتها انهيارات اجتماعية أيضاً، بل وانهيارات فلسفية بما فيها مواثيق حقوق الإنسان أيضاً؛ لأنها عجزت عن تأمين ظروف عيش كريم للإنسان، وما المظاهرات التي تجوب مدن العالم احتجاجاً على غلاء المعيشة والأزمة المالية المعاصرة إلا دليلاً على أن الأزمة اجتماعية بالدرجة الأولى، فالبطالة بارتفاع متزايد، ومعدلات الفقر بارتفاع، والتشرد والتفكك الأسري والانتحار بين صفوف الشباب باضطراد، وطرد الناس خارج مصانعهم ومنازلهم المرهونة للبنوك المفلسة باتساع، ولا تملك مواثيق حقوق الإنسان المحلية والعالمية أن تنفع في شيء.

وبالرغم من ذلك؛ فإن البحث عن حلول لهذا الأزمات العالمية لا يتم بالصورة الصحيحة؛ لأن الحلول ينبغي أن تبدأ بتنظيم جديد لعلاقة المواطن مع مجتمعه والسلطة فيه، سواء كانت سلطة فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية، وليس بحصر العلاج في البعد الاقتصادي والمالي فقط؛ لأن مفهوم الإنسان ليس كائناً سلعياً، يبع ويشتري أو يباع ويشترى، وإنما هو كائن عاقل، وهو إذ لا يعيش بمفرده؛ فإنه يحتاج إلى عقد ينظم علاقته مع أفراد مجتمعه، وينظم علاقته مع من يتولون قيادة هذا المجتمع، ومن يمنحون حق إدارته اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً معاً، هذا العقد وصف من الناحية النظرية بالعقد الاجتماعي أو الحق السياسي؛ لأنه ينظم حقوق المواطن مع السلطة[1].

هذا العقد الاجتماعي والسياسي وضع في الإسلام في مصطلح الأمة، في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الطاهرة، أي أن مفهوم الأمة في الإسلام هو مفهوم منظم لعلاقة المواطن والسلطة الاجتماعية والجماعية معاً، إلا أن مفهوم الأمة يمتاز بقدرته على جمع مفهوم العقد الاجتماعي الآخر والزيادة عليه، وبالأخص في الجانب الإيماني والعقدي، والذي يصفه البعض بالجانب الروحي، فالإسلام في تأسيسه للعقد الاجتماعي والسياسي لم يهمل الجانب الإيماني، بل جعله أساس البناء التعاقدي، حتى لا يترك العقد الاجتماعي أو العقد السياسي خالياً من الجانب الفكري الشخصي، ولا من الجانب الروحي الفاعل، ولا من الوازع الغيبي في الثواب والعقاب..

يتبع في العدد المقبل..

———————————

1. في العقد الاجتماعي، جان جاك روسو، مصدر سابق، ص: 29.

أرسل تعليق