دعاء يوسف عليه السلام.. (2)
قال تعالى: “قال رب السجن أحب إلي مما تدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين” [يوسف، 33].
سيقت الآيتان في مقام ما تعرض له يوسف عليه السلام من امتحان مراودة امرأة العزيز له وامتناعه عن الوقوع شراك المراودة. وهو ما يحكيه القرآن المجيد في قوله تعالى: “فلما سمعت بمكرهن أرسلت اِليهن وأعتدت لهن متكئاً وءَاتت كل واحدة منهن سكينا وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم قالت فذلك الذي لمتنني فيه ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكونن من الصاغرين” [يوسف، 31-32].
وهكذا وضعت امرأة العزيز يوسف عليه السلام إزاء أمرين لا محيص له من أحدهما: إما السجن والصغار والضيم، وإما الفعل الحرام بالاستمتاع بها. لما علم بذلك اختار السجن وفضله على الوقوع في الفعل الحرام. ومن ثم تضرع إلى الله بأمرين:
أولهما: طلب السجن والرضا به كما في قوله تعالى: “قال رب السجن أحب إلي مما تدعونني إليه” [يوسف، 33]. في السجن من الشدائد والمضايق والمكاره، نعم إن في السجن كل الآلام، ولكنها أهون عليه من آلام معصية الله تعالى ونقض العهود والمواثيق.
والأمر الثاني: أنه طلب من الله تعالى العصمة من الوقوع في ما أجمعت عليه نساء العزيز لأنهن تمالئن على طلبهن منه امتثال أمر امرأة العزيز. كل ذلك لم يفل من صارم عزمه على الممانعة. فجملة “وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين” [يوسف، 33]. التجاء إلى الله وتأدب نحوه عز وجل بالتبرؤ من الحول والقوة والخشية من تقلب القلب ومن الفتنة بالميل إلى اللذة الحرام.
قال الرازي: “كان قد حصل في حق يوسف عليه السلام جميع الأسباب المرغبة في تلك المعصية، وهو الانتفاع بالمال والجاه والتمتع بالمنكوح والمطعوم. وحصل في الإعراض عنها جميع الأسباب المنفرة. ومتى كان الأمر كذلك، فقد قويت الدواعي في الفعل و ضعفت الدواعي في الترك، فطلب من الله سبحانه وتعالى أن يحدث في قلبه أنواعا من الدواعي المعارضة النافية لدواعي المعصية إذ لو لم يحصل هذا المعارض لحصل المرجح للوقوع في المعصية خاليا عما يعارضه، وذلك يوجب وقوع الفعل، وهو المراد بقوله: “أصب إليهن وأكن من الجاهلين”.
أرسل تعليق