Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

دعاء موسى عليه السلام

يقول عز وجل في محكم كتابه العزيز: “واختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقاتنا فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي بها من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين” [الاَعراف، 155].

ورد هذا الدعاء من موسى عليه السلام، وذلك في مقام مقالي قص الله تعالى من خلاله ما حدث لفريق من بني إسرائيل من رجفة، وفي هذا المضمار تعددت أقوال المفسرين في تحديد هؤلاء الرجال السبعين، وفي الميقات المذكور في الآية، وفي معنى الرجفة. وعلى كل حال من جملة ما قال المفسرون في “الرجفة”[1] أن قومه أقبلوا إلى موسى وطلبوا الرؤية وقالوا، كما حكى القرآن المجيد: “يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون” [البقرة، 54][2]، ومهما يكن مبلغ اختلاف المفسرين في هذا الباب؛ فإن دعاء موسى من أبرز وأقوى مواضع العبرة في قصته التي عرضها القرآن الكريم في سورة الأعراف وفي غيرها من السور.

قال تعالى: “قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي بها من تشاء” [الاَعراف، 155]. قيل بأن موسى عليه السلام قام يبكي ويدعو الله: “رب ما ذا أقول لبني إسرائيل إذا أتيتهم وقد أهلكت خيارهم، رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي[3]. ويبدو أن هذا الدعاء محض استعطاف من موسى عليه السلام؛ فإذا كان الله تعالى قد عفا وستر وقت عبادتهم للعجل، ووقت قتل موسى للقبطي، فكيف بعد رجوعه إلى بني إسرائيل دون هؤلاء القوم[4].

قيل إن السفهاء هم من عاندوا وتجاسروا على طلب الرؤية، وقيل إن المراد بالسفهاء ما فعلوه من عبادة العجل، فكأن نبي الله موسى عليه السلام قال: أتهلكنا جميعا، والحال أنني طلبت الرؤية زجرا للسفهاء، وهم طلبوها سفها وجهلا[5]. والظاهر من هذا المطلوب أنها فتنة، أعني أنها امتحان وابتلاء ظهر في سياقه الضالون وتميز المهتدون.

وهكذا سلم موسى بولاية الله لتحقيق أمرين: أولهما المغفرة، والثاني الرحمة، لقوله تعالى: “أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين” [الاَعراف، 155]. فالله تعالى لما كان هو المتولي لكل الأمور، والقائم على كل ما كسبه الإنسان؛ فإنه وحده الذي يغفر ويرحم، وقد قدمت المغفرة على الرحمة، حتى قال الشيخ رشيد رضا: “وقلما ذكر اسم الله “الغفور” في كتابه العزيز إلا مقرونا باسمه “الرحيم[6]. وقال الإمام ابن عاشور: “قدم المغفرة على الرحمة؛ لأن المغفرة سبب لرحمات كثيرة؛ فإن المغفرة تنهية لغضب الله المترتب على الذنب، فإذا انتهى الغضب تسنى أن يخلفه الرضا. والرضا يقتضي الإحسان[7]. يسند ذلك قوله وله تعالى: ” قال رب اغفر ولأخي وأدخلنا في رحمتك” [الاَعراف، 151]، وقوله: “وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين” [هود، 47] وقوله: “واعف عنا واغفر لنا وارحمنا” [البقرة، 285]. ومن ثم ندرك معنى الخيرية في قوله تعالى: “وأنت خير الغافرين” [الاَعراف، 155][8].

والحاصل من هذا الدعاء أن موسى عليه السلام قدم لطلب المغفرة والرحمة الاعتراف بحكمة الله تعالى في الابتلاء والتسليم لله بولايته على خلقه فكان دعاؤه كما لاحظ الأستاذ سيد قطب رحمه الله: “نموذجا لأدب العبد الصالح في حق الرب الكريم، ونموذجا لأدب الدعاء في البدء والختام[9].

——————————-

1. قيل مثلا أنه لم يجد من بني إسرائيل إلا ستين شيخا، فأوحى الله تعالى إليه أن يختار من الشبان عشرة، فاختارهم فأصبحوا شيوخا، وقيل مثلا إن المقصود بالميثاق في الآية هو ميقات الكلام والرؤية، حيث خرج موسى عليه السلام بهؤلاء السبعين إلى طور سيناء، فلما دنا موسى عليه السلام من الجبل وقع عليه عمود من الغمام حتى أحاط بالجبل كله، ودنا موسى عليه السلام ودخل فيه، وقال للقوم: ادنوا فدنوا، حتى إذا دخلوا الغمام وقعوا سجدا، فسمعوه وهو يكلم موسى عليه السلام يأمره وينهاه: افعل ولا تفعل، ثم انكشف الغمام، فأقبلوا إليه، فطلبوا الرؤية..، وقيل إن معنى الرجفة أنها رعدة، وقيل إنها رعدة أدت إلى موتهم. تفسير بن كثير، ج: 2، ص: 250، والزمخشري، الكشاف ج: 2، ص: 516.

2. وقد يكون هذا التعدد من الأسباب التي دفعت بصاحب تفسير المنار إلى القول؛ بأن كل ما نقل عن مفسري المأثور في هذه المسألة مأخوذ من عن الإسرائيليات غير الموثوق بها، إذ ليس فيه شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر رشيد رضا، تفسير المنار، ج: 9، ص: 188.

3.  تفسير الطبري، ج: 9، ص: 72، وتفسير البيضاوي، ج: 3، ص: 63.

4. ابن عطية، المحرر الوجيز، ج: 2، ص: 460.

5. الزمخشري، الكشاف، ج: 2، ص: 517.

6. رشيد رضا، تفسير المنار، ج: 9، ص: 190.

7. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 9، ص: 127.

8. ومعناه كما قال الرازي: أن كل من سواك فإنما يتجاوز عن الذنب إما طلبا للثناء الجميل، أو للثواب الجزيل، أو دفعا للربقة الخسيسة عن القلب.. وبالجملة فذلك الغفران يكون لطلب نفع أو لدفع ضرر، أما أنت فتغر ذنوب عبادك لا لطلب عوض وغرض، بل لمحض الفضل والكرم، فوجب القطع بكونه “خير الغافرين” الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 15، ص: 17.

9. سيد قطب، في ظلال القرآن، ج: 9، ص: 1377.

أرسل تعليق