دعاء الالتجاء المستمر إلى الله تعالى
قال تعالى: “وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم” [الاَعراف، 200].
سيقت الآية في مقام مقالي وحالي يرشد الله تعالى من خلاله رسوله الكريم محمدا صلى الله عليه وسلم، ومن خلاله كل المؤمنين، إلى الأصول الأخلاقية التي ينبغي أن تحكم تعاملهم مع غيرهم، كما في قوله تعالى: “خذ العفو وامر بالعرف وأعرض عن الجاهلين” [الاَعراف، 199]. يجب أن يحتكم المسلم إلى هذا الدستور الأخلاقي فيأخذ به دائما، وفي كل الأحوال وفي معظم الحيثيات، لكن إذا ضعف[1] بسبب وساوس الشيطان فعليه أن يستعيذ بالله منه لقوله تعالى: “وإما ينزغنك”[2] من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون” [الاَعراف، 200-201]. قال الشيخ الشنقيطي: “شيطان الإنس يعامل باللين و أخذ العفو و الإعراض عن جهله، وشيطان الجن لا منجى منه إلا بالاستعاذة بالله منه“[3].
الاستعاذة: طلب العوذ، السين والتاء للطلب، والعوذ الالتجاء إلى شيء يدفع مكروها عن الملتجئ. ففي الآية استعارة: شبه حدوث الوسوسة الشيطانية في النفس بنزغ الإبرة ونحوها في الجسم بجامع التأثير الخفي”[4]. وعلى كل حال فإن العوذ بالله هو الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء وطلب العصمة. لا ننسى أن الشيطان لا ييأس من الوسوسة للناس بصفة عامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: “ما من إنسان إلا ومعه شيطان، قالوا: وانت يا رسول الله، قال: وأنا ولكنه أسلم بعون الله“[5]. وهكذا لا تتوقف وسوسة الشيطان عن المؤمنين، خاصة في الأماكن الشريفة كمعاهد العلم وأماكن الخير والنفع للفرد وللجماعة وللأمة، بل حتى في الأماكن الطاهرة كالمساجد. ومن ثم كان على المؤمنين الاستجابة لهذا الأمر الإلهي المتمثل في الاستعاذة بالله[6]. قال الإمام بن عاشور رحمه الله: “وهذا الأمر شامل للمؤمنين، وحظ المؤمنين منه أقوى؛ لأن نزغ الشيطان إياهم أكثر؛ فإن النبي صلى الله عليه و سلم مؤيد بالعصمة فليس للشيطان عليه سبيل“[7].
———————————————
1. من مظاهر الضعف الغضب، ولهذا ينقل بعض المفسرين ما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه لما نزل عليه قوله تعالى: “خذ العفو”، قال: كيف يا رب والغضب، فنزلت: “وإما ينزغنك“. ينظر ابن عطية المحرر الوجيز، ج: 2، ص: 491.
2. أي وينخسنك منه نخس بان يحملك بوسوسته على خلاف ما أمر الله تعالى فاستعذ بالله ولا تطعه. النزغ والنسغ: الغرز والنخس؛ كأنه ينخس الناس حين يغريهم بالمعاصي. الزمخشري، الكشاف، ج: 2 ص: 545.
3. الشنقيطي، أضواء البيان، ج: 2، ص: 47.
4. ابن عاشور، التحرير والتوير، ج: 9، ص: 229.
5. رواه مسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة، باب تحريش الشيطان، وبعثه سراياه لفتنة الناس، رقم: 2715.
6. قال الرازي: “الاستعاذة بالله عند هذه الحالة أن يتذكر المرء، المرء عظيم نعم الله عليه، وشديد عقابه فيدعوه كل واحد من هذين الأمرين إلى الإعراض عن مقتضى الطبع والإقبال على أمر الشرع“، الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 15، ص: 82.
7. ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج: 9، ص: 230.
أرسل تعليق