“خير من تصحب من يطلبك لا لشيء يعود منك إليه”
في هذه الحكمة المباركة يرسي الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه معايير اختيار من نصحب، وهي عبارة عن ستة معايير:
أولها: أن يكون المصحوب حريصا على صحبتك بدوافع متسامية كالمحبة، وليس بدافع الاستغلال؛
ثانيها: أن يكون المصحوب مستبطن قيم ومعايير الإيمان الذي يغنيه بالله سبحانه عمن سواه، إذ إشراق شمس الأصل في القلوب يقود إلى استغنائها عن الفروع؛
ثالثها: أن يكون المصحوب محتسبا في صحبته، متشوفا إلى أجر الإحسان فيها من عند الله تعالى لا من عند المصحوب؛
رابعها: في حالة كون المصحوب شيخا معلما، أو مربيا، فإن من معايير حسن صحبته أن يكون طالبا أجره على تربيته، وتعليمه من عند ذي الجلال الذي لا يُخاف منه إقلال، وليس من عند المخلوق؛
خامسها: وفي حالة كون المصحوب طالب علم، أو مريدا فخير من ينبغي أن يصحبه ليفيء عليه مما فتح الله عليه به هو الشيخ الرباني الذي يقيس من حاله لبلوغ مقام الاستغناء بالله عمن سواه، وأن يكون طالب العلم أو المريد طالب شريعة وحقيقة غير ناظر إناه، وهو قول الله تعالى: “واَصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا” [سورة الكهف، جزء من الآية: 28]؛
سادسها: أن يكون المصحوب كريم النفس، ذا عطاء مسترسل دون ربط للعطاء بما يقابله من حالة منك نفسية منتظرة، ولا تقنين لعطائه زيادة أو نقصانا بما يبذر منك ويبدو، وهو الإطلاق الذي يدل عليه قول الشيخ رضي الله عنه: “لا لشيء يعود منك إليه”، وقد كان هذا هو سَننُ خير من يُصحب وهم الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام والذين تواتر عنهم جميعا قولهم: “اِن اَجريَ إلا على رب العالمين” [سورة الشعراء، 109/127/145/164/180] وقولهم “اِن اَجريَ إلا على الذي فطرني” [سورة هود، جزء من الآية: 51].
وفي قول الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه “لا لشيء يعود منك إليه” إشارة واضحة بسبب استعماله كلمة “شيء”، إلى أن المقصي في هذه الحكمة هو المتاع الحسي أو النفسي، وليس المقصي هو الأجر من عند الله، ولا عظيم الفوائد التي تنوب الأصحاب بعضهم من بعض، كتلك المشار إليها في قوله صلى الله عليه وسلم: “سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ” وذكر منهم عليه الصلاة والسلام “وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ” [صحيح البخاري، رقم الحديث: 1340].
والله المستعان
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق