..خير علم ما كانت الخشية معه
هذه الحكمة المباركة مندهقة من مشكاة قوله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” [سورة فاطر، الآية: 28]، وهي آية كريمة اندرجت في سياق قرآني، تم فيه الحديث عن نفع العلم المتصل بالكتاب المسطور، إن اقترن بالخشية، حيث قال سبحانه “إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة، ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وإلى الله المصير” [سورة فاطر، الآية: 18]. كما تم الحديث في ذات السياق، عن نفع العلم المتصل بالكتاب المنظور، إن اقترن بالخشية، حيث قال عز وجل: “ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا اَلوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود، ومن الناس والدواب والاَنعام مختلف اَلوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء” [سورة فاطر، الآيتان: 27-28].
وقول الشيخ بن عطاء الله رضي الله عنه “خير علم ما كانت الخشية معه، فالعلم إن قارنته الخشية فلك، وإلا فعليك” يقصد به أن الانتفاع بالعلم يتحقق متى ما اقترنت به الخشية، كما تجلى ذلك في آيات سورة فاطر، والخشية هي الخوف الذي يشوبه تعظيم، ولا يتأتى ذلك إلا بتحقق العلم والمعرفة بمن يخشى منه، وأكمل الخشية ما لا يكون مجرّد خوف من عقابِ، وغضبِ، وبطشِ من يُخشى جانبُه، وإنما أيضا خوفُ فوتِ ودّهِ ولطفهِ وجودهِ وكرمهِ وقربه، ومن منافع خشية الله تعالى، استدامة التوفّز واليقظة احترازا من وقوع ما يخشى، وهي حالة مباركة يتيسر معها التحقق بقوله صلى الله عليه وسلم: “الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام..” [صحيح البخاري، رقم الحديث 1921]، وبالجملة فإنه إلاّ تقترن بالعلم الخشية، ينفتح على إمكانات اتخاذه وسيلة لإدراك المتع أو الجاه، أو الأغراض الفانية، وبانعدام الخشية ينعدم الموَران الوجداني الممكّن من العمل بالعلم، فيستحيل الإنسان، لا قدّر الله، إلى شبيه بالدواب التي تحمل أسفاراً “كمثل الحمار يحمل أسفارا” [سورة الجمعة، الآية: 5] دون إدراك منه لما في هذا العلم من هداية ومنافع، وقد ربط سيد الخلق عليه الصلاة والسلام وضع الأمور في مواضعها، وإصابة الحق بالعلم والعقل، بالخشية، فقال صلى الله عليه وسلم: “خشية الله رأس كل حكمة”.
والله المستعان.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق