حقوق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأمة
نص العلماء على أن المكلف مكلف بأن يعرف ما يجب في حق الله تعالى، وما يجوز، وما يستحيل، وأن يعرف مثل ذلك في حق الرسل عليهم الصلاة والسلام. وقد اهتم علماء المسلمين ببيان ما يجب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما يستحيل في حقه، أو يجوز عليه، وما يمتنع أو يصح من الأحوال البشرية أن يضاف إليه.
ومن الحقوق التي تجب على الأمة في حقه صلى الله عليه وآله وسلم
1. الإيمان به وتصديقه فيما أتى به، قال تعالى: “فَأمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَذِي أَنزَلْنَا” [التغابن، 8]، فلا يتم إيمان إلا به، ولا يصح إسلام إلا معه؛
2. إذا وجب الإيمان به وتصديقه فيما جاء به وجبت طاعته؛ لأن ذلك مما أتى به، قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ” [الاَنفال، 20]؛
3. وجوب اتباعه وامتثال سنته والاقتداء بهديه، قال تعالى: “قُلْ اِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ” [آل عمران، 31]، وقال تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الاَخِرَ” [الاَحزاب، 21]؛
4. تعظيم أمره ووجوب توقيره وبره قال تعالى: “يَا أَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ يَا أَيُّهَا اَلذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىءِ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ اَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ” [الحجرات، 1-2]؛
5. توقير وبر آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه وأصحابه قال تعالى: “إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تطهيرا” [الاَحزاب، 33]، وقال تعالى: “وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ” [الاَحزاب، 6]، وقال تعالى: “وَالسَّابِقُونَ الاَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالاَنصَارِ وَاَلذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الاَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” [التوبة، 101]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تسبوا أصحابي، فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه”[1]؛
6. اعتقاد أكمل أحوال العصمة له صلى الله عليه وآله وسلم قبل النبوة وبعدها، فقد نشأ على التوحيد والإيمان قال تعالى: “وَإِذْ اَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى اَبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا” [الاَحزاب، 7]، وقال تعالى: “وَإِذْ اَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا ءَاتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُومِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ” [آل عمران، 80]. قال الإمام القشيري: “طهره الله في الميثاق، وبعيد أن يأخذ منه الميثاق قبل خلقه، ثم يأخذ ميثاق النبيين بالإيمان ونصره قبل مولده بدهور ولا يجوز عليه الشرك أو غيره من الذنوب”[2]. وكيف يكون ذلك وقد أتاه جبريل عليه السلام وشق قلبه صغيرا، واستخرج منه علقة وقال له: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله وملأه حكمة وإيمانا. وقد أجمعت الأمة على عصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشيطان وكفايته منه، لا في جسمه بأنواع الأذى، ولا على خاطره بالوسواس. عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن، وقرينه من الملائكة، قالوا وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي، ولكن الله تعالى أعانني عليه فأسلم”[3]؛
7. إكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ومعاهده وما لمسه صلى الله عليه وآله وسلم أو عرف به، قال صلى الله عليه وآله وسلم: “من حلف على منبري فليتبوأ مقعده من النار”[4]؛
8. الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم، قال تعالى: “اِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىءِ يَاأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” [الاَحزاب، 56]، والصلاة عليه فرض على الجملة غير محدد بوقت لأمر الله تعالى بالصلاة عليه، وحمل العلماء والأئمة له على الوجوب وأجمعوا عليه[5]؛
9. تحريم أذاه من سب أو نقص أو تعريض، قال القاضي عياض: “اعلم -وفقنا الله وإياك- أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه، والعيب له فهو ساب له… وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرة له، أو نسب إليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من القول، وهجر ومنكر من القول وزور، أو عيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمصه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا”[6].
————————————————
1. أخرجه البخاري في صحيحه، حديث رقم 3673. ومسلم في صحيحه حديث رقم 2541.
2. الشفا للقاضي عياض، ج1، ص: 87.
3. أخرجه مسلم في صحيحه حديث رقم 2814.
4. أخرجه مالك في الموطأ حديث رقم 1408.25.
5. الشفا للقاضي عياض ج2، ص: 45.
6. الشفا للقاضي عياض، ج2، ص: 167.
أرسل تعليق