حقوق الإنسان بين الفلسفة والعقيدة والسياسة.. (2)
إن محاولات التوفيق والتقارب بين الجذور الفكرية للمواقف الفلسفية في الشرق والغرب تؤول إلى الفشل، وبالأخص في عصر الحضارة الأوربية والأمريكية الحديثة، التي تزدري بالدين وأهله، وبالأخص بالإسلام وبالمسلمين، بل واتخاذهم أعداءً وأصوليين وأعداء لحقوق الإنسان، ولذا قد نقول هذا موقف الدين أو العقيدة من حقوق الإنسان، وهذا موقف الفلسفة، ونحن نقصد الفلسفة الغربية تحديداً، وإلا فإن إطلاق اسم الفلسفة لا يستحق إلا التقدير والاحترام.
لم “يكن الدين إذاً هو المرجعية الكلية التي أسس عليها فلاسفة أوروبا، في القرن الثامن عشر، عالمية حقوق الإنسان التي بشروا بها، بل لقد عمدوا إلى بناء مرجعية عقلية مستقلة تتجاوز سلطة الكنيسة وتعلو عليها، مرجعية تتألف من ثلاث فرضيات رئيسية هي:
1ـ القول بالتطابق بين نظام الطبيعة ونظام العقل؛
2 ـ افتراض ما أسموه بـ “حالة الطبيعة“[1]؛
3 ـ فكرة العقد الاجتماعي..
وكان من أثار تلك الفرضيات، أن أدخلت الفرضية الأولى مع التقدم العلمي في الرياضات والفيزياء في القرون السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر ما عرف بـ “عصر الأنوار والعقل“، وأساسه الثقة بالعقل لاكتشاف الطبيعة والمطابقة بينهما.
ونتج عن حالة الطبيعة أن الناس “سواسية وأحرار إزاء بعضهم بعضاً، لأن حق الإنسان في الحرية والمساواة هو حق طبيعي له من عمل الطبيعة، ومن هنا كانت المطابقة بين مفهوم حقوق الإنسان وعبارة الحقوق الطبيعية هنا معناها تأسيس تلك الحقوق على مرجعية سابقة على كل مرجعية، فالطبيعة سابقة على كل ثقافة وحضارة، على كل مجتمع ودولة، وبالتالي فهي مرجعية كلية مطلقة، والحقوق التي تتأسس عليها حقوق كلية مطلقة”[2].
والنتيجة المترتبة على الحقوق الطبيعية في الحرية والمساواة التي أسسها الفيلسوف جون لوك (1632- 1704)، قد تؤول إلى الفوضى والنزاع بين الناس، لأنهم جميعاً يملكون حقوقاً طبيعية، لذا ذهب فلاسفة أوروبا إلى ضرورة تطوير الحق الطبيعي أو تنظيمه إلى عقد اجتماعي، مهمته تفسير كيفية الانتقال من حالة الطبيعة إلى حالة المدنية كما قررها جان جاك روسو (1712-1778)[3].
———————————-
1. الديمقراطية وحقوق الإنسان، الدكتور محمد عابد الجابري، ص: 147.
2. الديمقراطية وحقوق الإنسان، الدكتور محمد عابد الجابري، ص: 149.
3. العقد الاجتماعي، جان جاك روسو، ص: 41.
أرسل تعليق