Image Image Image Image Image Image Image Image Image Image

ميثاق الرابطة |

انتقل إلى الأعلى

أعلى

لا توجد تعليقات

“حتى نكسر طوق السلبية” [2]

      هناك حيف وقع على الأربعة عشر قرنا الماضية من تاريخنا! فهذه القرون لا تخلو من الوضاءة والتميز والإبداع، ولا تخلو من العطاء المبارك. وهذا التاريخ في إشراق عظيم، فقد أزال الإسلام جورا عظيما، وأقر عدلا منيرا في مختلف بقاع المعمور، وبحسبنا الاطلاع على تاريخ ما قبل الإسلام ليتبين لنا ما حدث من استنارة للوجود بدين الختم. طبعا لا يعني هذا بحال أن التاريخ الإسلامي كان خاليا من الهنات، ففيه ككل تاريخ جوانبه السلبية، وهي ليست قليلة.

      لا شك أننا دون كمال الهدي القرآني، وتوجيه النص النبوي. ولا شك أننا لم نَرْقَ بعد إلى المستوى الذي يبشرنا به القرآن، ولم نعانق بعدُ أفق كتاب الختم، مما يفرض بذل مزيد من الجهد من قبل الأمة كل الأمة. فهناك جهودٌ كبيرةٌ وفي غاية الجودة بهذا الصدد، ليست بالكثرة التي نرجوها ولكنها موجودة. غير أن القضية التي وجب التنبيه إليها هنا هي أن تاريخنا كتاريخ الديانات كلها؛ شهد معارك اصطلح عليها بـ “معارك البارديغمات” وهي معارك خفية؛ يكون غُبارها متعاليا في عنان العقول والوجدانات، لا يُرى أثره إلا بطريقة بَعدية في واقع الناس.

      من مظاهر هذه “المعركة الباراديغماتية” التي جرت في واقعنا منذ زمن مبكر، والتي كانت نتائجها حاسمة، هي: هل التشريعات الموجودة في القرآن والسنة نسيج ابتلائي، وأنها مجموعة من الشروط التي يتوقف عليها الخلاص؟! أم أن هذه التشريعات إنما هي لجلب المصالح للإنسان ودرء المفاسد عنه؛ أي أن مقصدها الكلي هو تحقيق وتحصيل السعادتين في العاجل والآجل؟!

      هناك إشارات قد تقدم بها الراغب الأصفهاني في كتابه الشامخ: “تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين”، والعز بن عبد السلام في:”قواعد الأحكام في مصالح الأنام”، وابن القيم في كتابه: “مفتاح دار السعادة”، والشاطبي في: “الموافقات في أصول الشريعة”… وغير هؤلاء الذين كانوا يُبيِّنون أن الشريعة ليست مجموعة من الشروط لتحقيق الخلاص، أو أنها مجرد نسيج ابتلائي، وإنما مقصدها الأساسي هو جلب السعادة وتحصيلها، وتحقيق المصالح ودرء المفاسد.

      اليوم بفضل الله بدأت تظهر مبشراتٌ ومؤشراتٌ لإدارة هذه “المعركة الباراديغماتية” بإيجابية، غير أن هناك جملة أشياء يمكن أن تجتال الجهود؛ وفي مقدمتها مقاربتان على طرفي نقيض: أولاهما: المقاربة الداعية إلى حَجْزِ الدين في خُويصة نفس كل إنسان. وثانيهما: المقاربة الحرفية التي يتم النظر بمقتضاها إلى الشريعة باعتبارها نسيجا ابتلائيا وعناقيد شرائطية للخلاص. وهما مقاربتان وجب  المشيُ بينهما دون أن تجتالنا أو تتخطفنا كلاليب هذه أو تلك.

      والله الهادي إلى سواء السبيل

الأمين العام

                                                                                                               للرابطة المحمدية للعلماء

أرسل تعليق