“حتى نكسر طوق السلبية” [1]
حينَ مُورست على الإنسان المسلم عبر تاريخنا مجموعة من الضغوط والتقليصات والاستبدادات؛ سواء تلك المعنوية أو الأخرى المادية. وحين استُبدل واقع “قل يا ابن أخي ولا تحقر نفسك” (الذي كان يُمارس في الصدر الأول حيث قالها عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعبد الله بن عباس وكان فتى ساعتئذ)، بواقع “صه واخرس قاتلك الله” حيث طفق بعض المحسوبين على العلم يتبوءون مقامات فيها الإطلاق والكليانية وادعاء امتلاك الحقائق…
فحين تجد مثلا في فاتحة كتاب: “كتبه النحرير الجهبذ، فريد زمانه، ووحيد دهره، بازّ أقرانه… وشمس المعارف” ونجد: “من قال بخلاف هذا فقد كفر!”… فإن كثيرا من الناس يصابون بالشلل العقلي والفكري، ولا يستطيعون الاجتهاد، بل تظهر فيهم عبارات من مثل قولهم: “ليس في الإمكان أبدع ممّا كان”! وتظهر أنماطٌ من التبعية المتسربلة بسربال القداسة!.
حين طغت مجموعة من الاستبدادات باسم الدين، أو باسم السياسة؛ فإن الإنسان الذي من المفروض أن يُبدع، غُيِّب وقُلِّص!
وشاعت في واقعنا أيضا فهومٌ سلبية للزهد، وأصبح من الزهد عدم الاشتغال بالعلوم وبالدنيا “المستنجَسة”… وطفحت مقولات من قبيل:
عليـــك بتـقــــوى الله إن كنت غافـــــــلا يأتيــــك بــــالأرزاق مـن حيث لا تــــدري
فعُطِّلت السببية!
ولو كـــــــان الــــــــرزق يأتـــــــي بقـــوة لمـــا أكــل العصفـــور شيئــاً مع النسـرِ
فكــــم من صحيــح مــــات من غير علة وكم من سقيـــم عـاش حيناً من الدهر
وكــم من فتـى أمسى وأصبح ضاحكـــا وأكفـانه في الغيب تنسج وهـو لا يدري
في الصدر الأول، كنا نجد سلوك الإمام المعلم مع تلامذته فيه التشجيع على القول، وقد تقدم مثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وينقل لنا التاريخ كذلك أن أبا حنيفة كان يُعجبهُ حين تتعالى أصوات تلامذته محمد بن الحسن الشيباني وأبي يوسف وزفر… وكذا كان الإمام مالك مع أصحابه، والشافعي، حيث كان العلم ينتسج بمداولات وسؤالات، وأخذ ورد وعطاء.
حين استُبدل بهذا الواقع واقع آخر فيه الكليانية والإطلاقية، وفيه عدم المشاركة مع الأستاذ وإنما التلقي عنه فقط… ظهرت فينا هذه الإصابات التي ذكرناها آنفا.
والله الهادي إلى سواء السبيل
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق