جهود الصوفية المغاربة في مقاومة الغزو الأجنبي
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
3. الشيخ ماء العينين
عمل الشيخ ماء العينين على توحيد صفوف كل شرائح المجتمع من خلال فكرة المواخاة، وقاد حركات الجهاد والمقاومة، استطاع من خلالها تحقيق جملة من الانتصارات مثل: معركة الداخلة، ومعركة نِيمِيلاَن، ومعركة أبي ضرس نسبة إلى القائد الفرنسي الذي قُتل في المعركة، ومعركة دامان. مما أخر تنفيذ مخططات الاستعمار إلى ما بعد الحماية.
فأثارت هذه الانتصارات خوف ورعب السلطات الاستعمارية، وشكلت تهديد حقيقي للوجود الفرنسي الاسباني بالمغرب، ترجمتها مراسلات قيادات جيوش الأعداء، نكتفي بسرد واحدة منها وهي مراسلة الوالي العام لإفريقيا الغربية الفرنسية إلى وزير المستعمرات، جاء فيها: “إن مجموع التقارير التي وصلتني توضح أن حركة التشويش الموجهة مباشرة ضد نفوذنا، والتي كنتُ لفتُ نظركم من قَبل إليها ما زالت مستمرة بل هي في ازدياد، وأن مصدر هذه الحركات العدائية هو ناحية الساقية الحمراء، ويتزعم الحركات الشيخ ماء العينين باسم السلطان، بل يكاد محققا أن ماء العينين متفق مباشرة مع ممثلي السلطة المغربية بجنوب المغرب”[1].
وقد كثفت السلطات الاستعمارية من هجومها على الصحراء، ورغم انهزام الكولونيل Gouraud يوم 9 يناير 1910. وفشله الذريع أمام جيش ماء العينين، إلا أنهم طوقوا المنطقة، وفي هذه الظروف أمر السلطان الشيخ بالانتقال إلى مدينة تزنيت خوفا من أن يسقط الشيخ في يد الأعداء، فاستناب ابنه الأغظَف لمواصلة الجهاد في الصحراء.
“وعندما أحس الشيخ ماء العينين بأن خيوط المؤامرة الاستعمارية أحاطت بالبلاد وعاهلها من كل صوب وحدب، فأصبح السلطان سجينا في يد القوات الفرنسية التي تسربت من مناطق وجدة والدار البيضاء نحو العاصمة فاس، بادر المجتمعون بتزنيت في فبراير 1910م بإسناد قيادة المجاهدين للشيخ ماء العينين، فتقدم بهم نحو فاس إلا أن القوات الفرنسية بقيادة الجنرال موانيي اعترضت طريقهم وأفشلت هذه المحاولة وقضت عليها في المهد. فاضطر الشيخ إلى التراجع من تادلة نحو مقره لإعادة تنظيم صفوف المجاهدين إلا أنه توفي في أكتوبر 1910م ليواصل أبناؤه من بعده مسيرة الجهاد“[2].
4. الشيخ أحمد الهيبة ابن الشيخ ماء العينين
تولى الشيخ أحمد الهيبة إمارة الجهاد بعد وفاة والده الشيخ ماء العينين فدخل مراكش سنة 1912م واشتبكت قواته مع الجيوش الفرنسية في سيدي بوعثمان، غير أن ضعف إمكانياته وتآمر بعض الخونة على المقاومة المسلحة في الجنوب المغربي لم يمكنه من تحقيق مطامحه، فعاد إلى سوس وواصل مقاومة فرنسا[3]، واستمر في الجهاد وألحق بالجنرال Lamothe وأعوانه من القواد الخونة هزيمة منكرة في معركة “ويجان” يقول عنها العروي: “واضطر القواد الفرنسيين إلى التقهقر لما قاومهم أصحاب الهيبة مقاومة لم يكونوا يتوقعونها، ولم يلبث تقهقرهم أن تحول إلى هزيمة وفَجِعَ رجال الكلاوي فجيعة فادحة“[4].
وقال محمد المختار السوسي في معرض الرد على من يُنكر دور الشيخ أحمد الهيبة وأخيه الشيخ مربيه ربه في تأخير احتلال منطقة سوس وعرقلة مخططاتهم الاستعمارية: “فلأية علة معقولة يتأخر سوس عن أرجاء المغرب، على أن جبال ولتيتة قد تأخر حقا احتلالها عن أرجاء المغرب وعن تزنيت نفسها بإحدى وعشرين سنة، ولم يؤخر احتلال ولتيتة إلا المقاومة التي كانت تحت راية الهيبة (..) فقد فعل الهيبة ومن معه ما يقدرون عليه، فقد قاوموا جهد مستطاعهم، وأبى الهيبة إباء كليا أن ينقاد إلى الاحتلال، بعدما حاول رجال الاحتلال ذلك بكل حيلة، وقد أطمعوا الهيبة أن يكون خليفة على سوس لمولاي يوسف فأبى، وأطمعوه في المال والأمن والراحة فأبى (..) كما أن هناك محاولات أخرى لم تؤثر في الرجل، مع أنه يعيش في ضيق عيش، وفي ضنك وفي غير دار عز، وناهيك بإبائه مع هذه الشدائد منقبة“[5].
وواصل مسيرته النضالية حتى توفي رحمه الله في بلدة كردوس 23 يونيو 1919م.
يتبع في العدد المقبل..
———————————————
1. الساقية الحمراء، محمد الغربي، 1/361.
2. الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب، 3/194.
3. معلمة المغرب، 22/7535، 7536.
4. الإحياء والتجديد الصوفي في المغرب، 3/196.
5. المعسول، 4/244.
أرسل تعليق