جهود الصوفية المغاربة في مقاومة الغزو الأجنبي
- ذ. مصطفى بوزغيبة
- باحث بمركز الإمام الجنيد
3. الشيخ أبو عبد الله محمد العياشي
حرب الجديدة (1049هـ): وهي من الحروب التي تزعمها الشيخ أبو عبد الله محمد العياشي وأبلى فيها البلاء الحسن، وتسبب في هذه المعركة، وكما ذكر العلامة قاضي تامسنا (حيث كانت تامسنا في ذلك الوقت تابعة لنفوذ العياشي) أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الغنامي الشاوي المعروف بسيدي رحو الغنامي فقد ذكر “أن نصارى الجديدة عقدوا المهادنة مع أهل أزمور مدة فكان من عزة النصارى وذلة المسلمين في تلك المدة ما تنفطر منه الأكباد، وتخر له الأطواد فمن ذلك أن زوجة قبطانهم خرجت ذات يوم في محفتها ومعها صواحباتها إلى أن وصلت حلة العرب فتلقاها أهل الحلة بالزغاريت والفرح (..)، ووقع لها أيضا أنها أمرت القبطان زوجها أن يخرج بجيشه ويبعث إلى قائد أزمور أن يخرج بجيش المسلمين فيلعبوا فيما بينهم وهي تنظر إليهم بقصد الفرجة والنزهة فكان كذلك، فجعلوا يلعبون وهي تتفرج فيهم فما كان بأسرع من أن حمل نصراني على مسلم فقتله فكلم قائد المسلمين القبطان وأخبره بما وقع فقال له القبطان: فما يضركم إن مات شهيدا يهزأ بالمسلمين ويسخر منهم”[1].
فكانت هذه الإهانة والاستهزاء بمشاعر المسلمين والمساس بكرامتهم سببا لنهوض المجاهد العياشي لمقارعة البرتغال، وكذا لرد الاعتبار للشرفاء الغيورين على كرامتهم وعرضهم، فأعد العدة لمجابهة العدو البرتغالي فزحف بجيشه نحو الجديدة، ولم يتلق أي دعم من القبائل المجاورة للجديدة بل انقلب عليه البعض ووالوا الإسبان، كما هو الشأن بالنسبة لطائفة من أولاد أبي عزيز، وأمام هذه التحديات بُعد المسافة وتربص عيون السلطان، لم يزده إلا إصرارا وعزيمة لكسر شوكة الإسبان، وطردهم من البلاد، فكمن المجاهد العياشي بإحدى الغابات المجاورة ينتظر الفرصة السانحة للهجوم على العدو، فصادف أن خرج القبطان مع فرسانه، “فلما انفصل القبطان بجيشه عن الجديدة حمل عليهم أبو عبد الله فقطعهم عنها ففروا إلى جهة البحر فأوقع بهم فهلكوا ولم ينج منهم إلا سبعة وعشرون رجلا”[2].
فقد ذكر لويز مارية فصول هذه الواقعة المشهودة والتي راح ضحيتها قائد البرتغال بالجديدة والعديد من فرسانه، فقال: “إن طائفة من المسلمين قدموا على قائد البرتغال بالجديدة وقالوا له: إنا قد جئناك من عند المولى محمد بن الشريف يطلب منك تعينه بجماعة من عسكرك على بعض عدوه فأسعفهم بذلك، وكان شابا غرا لم يجرب الأمور فنهاه بعض كبار عسكره وحذره عاقبة الغدر فأبى وعزم على الخروج مع أولئك المسلمين وتقاعد عنه عسكره فقال لهم: إني أخرج وحدي وذهب ليخرج وحده فتبعوه حينئذ، وكانوا مائة وأربعين فارسا، فلما انفصلوا عن الجديدة بمسافة وجدوا خيلا كثيرة كامنة لهم فلم يشعروا حتى أحاطت بهم نصف دائرة منهم فما كلموهم حتى كملت الدائرة عليهم وصاروا مركزها فحينئذ التفت قائد العسكر إلى ذلك الرجل الذي نهاه عن الخروج وقال له: ما الحيلة؟ فأجابه بأن الحيلة القتال حتى نموت (..) والحاصل أن المسلمين أوقعوا بهم حتى لم يرجع منهم إلا ثلاثة وأسر منهم خمسة عشر أحياء والباقي أتى عليه القتل، وقامت بالجديدة مناحة عظيمة لم يتقدم مثلها، وسجن الأسارى بسلا سنين في بعض دهاليزها حتى افتداهم سلطانهم خوان”[3].
فهذه نبذة من الصفحات المشرقة لهذا المجاهد الكبير، والذي أصبح رمزا للجهاد في المغرب وخارجه، إلى درجة أنه لما قُتل “فرح النصارى بمقتله غاية الفرح، وأعطوا البشارة على ذلك، وعملوا المفرحات ثلاثة أيام، وكان مقتله رحمه الله تاسع عشر المحرم سنة إحدى وخمسين وألف.. وحدّث رجل أنه كان بالإسكندرية فرأى النصارى يومئذ يفرحون ويُخرجون أنفاضهم، فسألهم، فقالوا له: “قُتل سانطو المغرب“[4].
يتبع في العدد المقبل..
———————————————
1. الاستقصا، 2/435-436.
2. الاستقصا، 2/437.
3. الاستقصا، 2/437.
4. الاستقصا، للناصري، 2/440.
أرسل تعليق