تقرير عن مضمون الورقات المقدمة إلى ندوة “مجالات تطبيق الشورى والاستشارة في التجربة المعاصرة”
شهدت رحاب مؤسسة دار الحديث الحسنية بالرباط، يومي الأربعاء والخميس 28 – 29 ذي القعدة 1432 هـ/ 26 – 27 أكتوبر 2011 م، أشغال ندوة دولية نظمتها المؤسسة في موضوع: “مجالات تطبيق الشورى والاستشارة في التجربة المعاصرة”.
انطلقت جلسة الافتتتاح بكلمة الأستاذ الدكتور أحمد الخمليشي مدير مؤسسة دار الحديث الحسنية التي عني فيها بإبراز أهمية هذه الندوة في الظرفية الراهنة التي يعرفها العالم العربي عموما والمملكة المغربية خصوصا، وبالأخص بعد الإصلاح الدستوري الذي اقترحه جلالة الملك وأقره الشعب المغربي في فاتح يوليوز 2011م، مركزا على المكانة التي احتلتها الشورى في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، وأنها موضوع يشغل العالم الإسلامي كله لما يشهده من مشاكل واضطرابات اجتماعية نتيجة لعدم ضبط طريقة وضع القواعد التي تنظم مرافق المجتمع وعلاقات المواطنين بعضهم ببعض، متمنيا أن تسهم دار الحديث الحسنية من خلال هذه الندوة في المسيرة الجديدة التي بدأت تدب في مؤسسات التكوين في مجال الدراسات الإسلامية، مشيرا إلى وثيقة الأزهر الشريف التي تسير في نفس التوجه الذي يقوم على دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة التي تقوم على دستور ترتضيه الأمة يفصل بين سلطات مؤسسات الدولة وتكون فيها سلطة التشريع لنواب الشعب بما يتوافق مع المفهوم الإسلامي الصحيح الذي يبتعد عن مفهوم الدولة الكهنوتية، مبرزا أن الإسلام ترك للناس إدارة شؤونهم وتحقيق مصالحهم شريطة أن تكون المبادئ الكلية للشريعة الإسلامية هي الأساس في ذلك، ولا يكون ذلك إلا باعتماد نظام ديمقراطي يقوم على الانتخاب الحر المباشر الذي يضمن التعددية ومن تداول سلمي للسلطة وتحديد للاختصاصات ومحاسبة للمسؤولين أمام ممثلي الشعب وتوخي مصالح الناس ومنافعهم في جميع الشؤون والقرارات.
وخلص الدكتور الخمليشي إلى أن العالم العربي والإسلامي دخل مرحلة يمكن أن يطلق عليها وصف الصحوة الإسلامية الجديدة، وهي رؤية ثاقبة يجب تدقيقها وأن تسهم فيها جميع مؤسسات الدراسات الإسلامية العليا في جميع أنحاء العالم الإسلامي لكي تؤدي إلى تطور المجتمعات الإسلامية وإنقاذها من الواقع الذي تعيشه، وتخليصها من مخلفات وآثار ثقافة سياسية استمرت قرونا طويلة لا زالت تنعكس عليها.
وفي ختام الجلسة الافتتاحية عبر الدكتور الخمليشي عن أمله أن تكون هذه الندوة من خلال أبحاثها وعروض المشاركين فيها إسهاما في مساعدة الفكر الإسلامي للغوص في مشاكله الحقيقية، وأن ينتقل إلى مرحلة التحديث والتطور لإيجاد الحلول المناسبة والواقعية للمشاكل التي تتخبط فيها المجتمعات الإسلامية.
بعد ذلك تناول الكلمة عن اللجنة المنظمة الدكتور أحمد السنوني، الذي تطرق إلى قضية ممارسة سلطة تنظيم المجتمع وتدوالها، بكل ما تتضمنه تلك الممارسة من أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية، وهذه القضية هي مجال عمل الشورى والاستشارة، وبيَّن الدكتور السنوني أنه إذا كانت الشورى في الإسلام سمة أساسية من سمات النظام الاجتماعي وقيمة غنية بدلالات التعاون والتناصح، ويتبرك فيها تسمية كثير من الهيئات التي تختارها الشعوب لتمثيلها والدفاع عن مصالحها؛ فإن طبيعة التنظيم الاجتماعي في عصرنا تحتم الانكباب العلمي الجاد على البحث عن صيغ عملية لتحويل الشورى من مجرد قيمة فكرية وثقافية إلى وسائل عملية وآليات تنظيمية لتحقيق المقاصد النبيلة للمبدأ ولتجاوز الانفصام بين العقيدة والسلوك وبين التنظيم والممارسة.
وعبر الدكتور السنوني عن أمل مؤسسة دار الحديث الحسنية إدارة وهيئة تنظيمية أن تقدم الورقات المقدمة في هذه الندوة والكلمات التعقيبية عليها إجابات شافية عن الأسئلة الأساسية المثبتة في ورقة الندوة والمتمثلة في:
السؤال الأول: هل الشورى والاستشارة بمعنى واحد، ومن له صلاحية التقرير؟
السؤال الثاني: هل الشورى تبادل للرأي ومشاركة في التقرير؟
السؤال الثالث: كيف يمكن إعمال نظام الشورى في الواقع المعاصر لمؤسسات الدولة؟
وعرضت بعد ذلك كلمة اللجنة التنظيمية كلمة مصورة موجهة إلى المشاركين في الندوة للشيخ العلامة الدكتور عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد، تطرق فيها فضيلته إلى أهمية الشورى وقيمتها الشرعية والسياسية، مبرزا الخصوصية الإسلامية للشورى في الإسلام تنظيرا وممارسة، مقارنا في جزء من كلمته بين الشورى كمفهوم إسلامي أصيل مأمور به شرعا طبقه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون عمليا، وبين التصورات الغربية للشورى تنظيرا وممارسة كذلك، مؤكدا على أن الشورى آلية تصريف شؤون المسلمين بما يجلب المصالح لهم ويدرأ المفاسد عنهم.
ثم انطلقت أشغال الندوة بورقة الأستاذ الدكتور سعيد بلبشير التي كان موضوعها: “الشورى ومفهوم سيادة الأمة”، وقد اعتنى الدكتور بلبشير في ورقته بتعريف الشورى وبيان مستويات ممارستها، وكيف تحول الأمر من مفهوم سيادة الأمة إلى سيادة الدستور مبرزا أن الشورى وإن كانت ثابتة من حيث المبدأ فهي متطورة من حيث الشكل والممارسة بحسب البيئة الزمانية والمكانية، ولكن تبقى سيادة الدستور تعبيرا عن سيادة الأمة ويجب أن يكون القضاء الدستوري هو السند القوي لدولة القانون دولة المؤسسات والحريات والحقوق.
بعد ذلك تناول الكلمة الأستاذ الدكتور محمد فوزي المهاجر أستاذ العقيدة والأديان المقارنة بالمعهد العالي لأصول الدين بجامعة الزيتونة بتونس، وقدم ورقة بعنوان: “مجالات تطبيق مبدأ الشورى القرآني، الثابت والمتحول”، وقد استهل كلمته بالإشارة إلى ارتباط مسار النظم الاجتماعية والسياسية بالنظم الكونية الدينية منها أو الطبيعية، متسائلا كيف يمكن التوفيق بين مستوى الدساتير الوضعية وبين النص الإلهي الأزلي الذي يفترض أن يتحول قسم هام من أحكامه إلى دستور أو قانون سياسي ينظم المجتمع في ظل آية لا إكراه في الدين)، حيث إن مبدأ الشورى هو واقع بين أمرين: الثابت: وهو الأمر القرآني بالشورى وذكر بعض النماذج من سيرة النبي عليه السلام، والمتحول: وهو منهج ومجالات تطبيق مبدأ التشاور عبر التاريخ، حيث يبقى مفهوم الشورى ومجالات تطبيقها أمرا موكولا للمسلمين بحسب ما تتحقق به مصالحهم، ويخضع لاجتهاداتهم وتجاربهم، لكون النص القرآني يعي جيدا أنه بتقدم الزمان تتغير طبيعة الجماعة / الدولة.
تلا هاتين الورقتين تعقيبان: أولهما للدكتور عبد الرزاق أورقية على ورقة الدكتور سعيد بلبشير، والثاني للدكتور عبد المجيد الصغير على ورقة الدكتور المهاجر.
وقد كان من بين ما علق به الدكتور أورقية أن الشورى كانت لها أهميتها، لكن النص الشرعي لم يحدد لها نمطا معينا، لذلك اختلفت تطبيقاتها في تاريخ الإسلام في المشرق والمغرب، وقد أشاد الدكتور بورقة الدكتور بلبشير، لكنه ركز على أنه كان من الواجب بيان ارتباط الشورى بمقاصد الشريعة ودورهما في تقليص دائرة الاختلاف داخل الأمة، ونفي احتمالات الخطأ في فعل الأمة وتصرفاتها انطلاقا من قوله عليه الصلاة والسلام:” لا تجتمع أمتي على ضلالة”، والاستفادة من كفاءات الأمة كلها ضمن إطار التمييز بين الشورى والاستشارة فالأولى مبدأ والثانية تتعلق بمن يطبق الشورى ومن يستشار.
أما تعقيب الدكتور عبد المجيد الصغير، فتضمن وجوب الحديث أولا عن أمرين: أولهما: الوعي بخصوصيات المرحلة التي تمر به المجتمعات، وثانيهما: إثارة إشكالية المصطلح وتفعيله ضمن إطار الفكر الإسلامي، مما يقتضي تتبعا ومراجعة نقدية لمواقف المسلمين حكاما وعلماء ومفكرين من تطبق مبدأ الشورى، محذرا من الوقوع في خطيئة ربط الثابت المقدس بالمتغير المدنس كما سماه الدكتور.
وخلال الجلسة المسائية التي ترأسها الدكتور محمد جميل مبارك قدمت ورقتان: أولاهما تخص الدكتور حمداتي ماء العينين عضو المجلس الأعلى بالمملكة المغربية، وهي بعنوان: “العلاقة بين الشورى والاستشارة”، والثانية للدكتور عز الدين معميش أستاذ العقيدة بجامعة الجزائر، وهي بعنوان:”الشورى: تحولات المفهوم وحقول الممارسة في الفكر الإسلامي المعاصر”.
تناول الدكتور حمداتي العلاقة بين مفهوم الشورى والاستشارة، معتمدا على المسار التاريخي ومبرزا العلاقة بين الشورى والديمقراطية وأن الاستشارة هي تطبيق عملي، ومبرزا أن دراسة هذا الموضوع يستلزم المرور من مفارقات ومقاربات من خلال معطيات أساسية مؤداه إلى أنه لا تنافي بين الشورى والديمقراطية وإن اختلفا فهو اختلاف شكلي يرتبط بترتيبهما، أو بإلزاميتهما من عدمها، لكن ما يمكن الجزم به هو أن الشورى في الإسلام هي نمط من أنماط الاستشارة في الأنظمة الديمقراطية.
أما الدكتور عز الدين معميش فتناول مفهوم الشورى كمصطلح إسلامي سياسي منصوص عليه في القرآن والسنة، رابطا بينه وبين مفهوم الاستشارة ودلالته في القرآن والسنة، وتردده بين كونه إلزاما أو إعلاما، وحدد موضع الشورى ومدلولها وأنواعها، وتطور مدلوله تاريخيا بين نظرية التمييز ونظرية التنصيب، متطرقا بعد ذلك إلى الشورى والاستشارة في الفكر الإسلامي المعاصر، عند التيارات الإصلاحية والتيارات الحركية ورجال الفكر والسياسة.
وقد كان على هذين الورقتين تعقيب لكل واحدة منهما، فعقب الدكتور حسن الباز أستاذ بكلية الآداب ابن زهر باكادير على ورقة الشيخ حمداتي، وعقب الدكتور سمير بودينار أستاذ بجامعة محمد الأول بوجدة على ورقة الدكتور معميش.
بالنسبة للدكتور حسن الباز فبين أن تعقيبه تجلية لبعض الموضوعات التي لم ترد في كلمة الدكتور حمداتي، حيث تطرق إلى حكم الشورى بين الوجوب والندب، وقد بين صعوبة الترجيح بين الحكمين، لكن يبقى اعتبار المآل ودفع مفسدة الاستبداد أقوى مرجحين لوجوبها، كما تطرق إلى نظرية الاستثناء في الفقه السياسي بالنظر إلى طبيعة الظاهرة السياسية وتعقدها، وما يتعلق بها من إمامة المتغلب والقبول بها اعتبارا للمصالح والمفاسد، مما يعني أن العلماء المسلمين كانوا يتعاملون وفق منهج مقصدي تجب مراعاته في التعامل مع الواقع السياسي الحالي.
أما الدكتور سمير بودينار فعقب على ورقة الدكتور معميش من خلال تناول التعامل مع الحركات الإصلاحية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين، وكيف تطور منظورها إلى مبدأ الشورى وتأصيله ضمن إطار الدولة الحديثة، من خلال إعادة استنبات المفهوم ضمنها.
عرفت الجلسة الصباحية ليوم الخميس التي ترأسها الدكتور محمد كمال الدين إمام [أستاذ بجامعة القاهرة] مداخلة للدكتور محمد ناصيري، بعنوان: ” الشورى ومجالاتها: دراسة مفهومية للأمر في القرآن الكريم” حيث سعى في ورقته إلى الإجابة على سؤال مدى دلالة الشورى في القرآن الكريم على معنى المشاركة في التقرير، من خلال مدخل مفهومي لدراسة الآيتين من القرآن الكريم اللتين وردتا في موضوع الشورى، وذلك بدراسة مفهوم “الأمر” الذي اقترن بذكر الشورى، متوخيا تحليل القضايا المتصلة بتفسير المفسرين والفقهاء لـ “الأمر” ونقدها، ومتخذا من التجربة الأولى لتطبيق الخطاب القرآني في عهد الصحابة خاصة اصلا للمقارنة.
وقدمت الورقة الثانية من طرف الأستاذ الدكتور خالد المزيني عضو هيئة التدريس بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالسعودية، وهي بعنوان: “إسهام الفقهاء في تطوير تجربة الشورى المعاصرة”، حيث تطرق إلى الشورى باعتبارها ضمانة من ضمانات الحكم الرشيد، مبينا مفهومها ووجوب مأسستها ضمن نسق إداري محدد، مستدلا بمأسستها في صدر الإسلام، وعرض نماذج لها وبين أسباب غموض هذه النماذج في تاريخ الإسلام، مؤكدا على وجوب أن تتجه جهود الفقهاء إلى بلورة نموذج شوري يتكون من مجلس شورى العلماء ومجلس شورى النواب، موضحا مكونات النموذج الشوري المعاصر وخصائصه وتعزيزه سياسيا في عمل الدولة.
وعقب على ورقة الدكتور ناصيري الدكتور محمد قجوي أستاذ علوم القرآن بجامعة محمد الخامس بالرباط، الذي تطرق إلى سياقات آيات الشورى في القرآن وتوجيه أقوال المفسرين في حكم الشورى، وتوجيه آرائهم في مجالاتها وشروطها مستعرضا أقوالهم في ذلك ومقارنا بينها.
أما ورقة الدكتور خالد المزيني فكان التعليق عليها من طرف الدكتور محمد جميل مبارك الأستاذ بكلية الشريعة بأكادير، والذي بين تعقيبا على الدكتور خالد أن تناوله للموضوع كان ينبغي أن ينطلق من مفتاحين مفهوميين هما: الفقه والتجربة المعاصرة، مبرزا أن الموضوع يتطلب الاطلاع على كل الفقه الإسلامي اعتبار لعنوان الورقة، مع وجوب أن تحدد مجالات الشورى بدقة بحيث لا بيقى فيها لبس، ومع ضرورة استنطاق التجارب المعاصرة وخاصة التجربة السعودية.
وخلال الجلسة المسائية التي ترأسها الدكتور سعيد بلبشير عرضت ورقتان: أولاهما للدكتور عبد السلام بلاجي أستاذ الفقه والقانون الدستوري بعنوان: “التطبيقات المعاصرة للشورى” والثانية: ورقة الدكتور محمد زين العابدين رستم أستاذ الحديث بجامعة المولى سليمان ببني ملال، بعنوان: “الشورى في أدبيات إسلامية معاصرة”.
تطرق الأستاذ بلاجي إلى مفهوم الشورى وعلاقته بمفهوم الديمقراطية، وتنزيلاته المعاصرة من خلال قضايا محددة تتعلق بحكمها وآلياتها ضمن العملية السياسية والاجتهادية في المجمعات الفقهية المعاصرة، وضرورة التنظير لها والتأصل لتصورها وتحديد مناهج تطبيقها.
أما ورقة الدكتور رستم فاعتنت بالحديث عن أدبيات إسلامية معاصرة تناولت الشورى، وقد ركز على نموذجين: نموذج الدكتور حسن الترابي في السودان من خلال كتبه حول الشورى والديمقراطية والمصطلحات السياسية في الإسلام، ونموذج الدكتور أحمد الريسوني المغربي من خلال كتابه: الشورى في معركة البناء، محاولا أن يجري مقارنة بين التصورين، والخروج بتقييم لهما في الرؤى والأهداف والنتائج والثمرات، والتوصل إلى ما بين الشورى والديمقراطية من الاتصال والانفصال في إنتاجات الإسلاميين.
وعقب على ورقة الدكتور بلاجي الأستاذ عبد السلام طويل منتقدا ما قدمه الدكتور بلاجي ومبينا ما ينقص الورقة من حيث التصور ومن حيث المنهج، مبرزا أن التطبيقات المعاصرة للشورى ترتبط بمنحى مقاصدي متصل بمنطقة العفو في الشريعة الإسلامية، ما دامت السياسة ليست مجرد تدبير للاختلاف، بل إنها تتجاوز ذلك بكثير.
أما ورقة الدكتور رستم فعقب عليها الدكتور أحمد السنوني الأستاذ بمؤسسة دار الحديث الحسنية وقد انصب تعقيبه على أن الباحث لم يجل الفروق بين هذه الأدبيات التي تناولت الشورى في الوقت الراهن، سواء من جانب القوة أو من جانب الضعف.
أرسل تعليق