ترويض الغضب
يعد الغضب من أمراض العصر التي تتسبب في أمراض نفسية وأخرى عضوية؛ فكثرة الغضب تؤدي إلى أمراض تصيب جهاز القلب والشرايين. لذلك نرى أن الباحثين في ميدان الطب النفسي بدؤوا يهتمون أكثر لدراسة هذا النوع من الانفعالات. لقد كان لنبينا الهادي صلى الله عليه وسلم السبق في التحذير من آفة الغضب وقد وردت آيات وأحاديث نبوية تحث على كظم الغيظ، وترجيح العفو عن الناس.. كما وردت أحاديث توجيهية لمعالجة الغضب.
ماذا يحدث في أجسامنا عند الغضب؟
يسبب الغضب زيادة في عدد دقات القلب، مما يجهده لأنه يضخ كمية كبيرة من الدم، يحول الجهاز العصبي الودي الدم من الجلد والكبد والمعدة إلى القلب والجهاز العصبي المركزي والعضلات. كما يسبب ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين الدموية لكي تتمكن من تمرير الكميات الزائدة من الدماء. يزداد تدفق الأدرينالين الذي يطالب الجسم بصرف كمية أكبر من الطاقة؛ الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة. وفي حالات الغضب الشديد تتوقف عمليات الهضم، ويخرج الجليكوز من الكبد مما يرفع مستوى السكر في الدم. يزداد إنتاج الكورتيزون cortisone لإضعاف جهاز المناعة ويزداد هرمون التستوستيرون Testosterone عند الرجال.
ينتج عن هذه التغيرات الشعور بالحرارة والطاقة، وسرعة نبضات القلب مع سرعة التنفس العميق ورغبة في الصراخ، واستعداد لتحريك الأطراف بسرعة وقوة.
الآثار السلبية الناتجة عن استمرار حالة الغضب
أكدت الأبحاث العلمية مؤخرا أن استمرار حالة التوتر الطارئة لفترة طويلة يعرض الجسم للهلاك، كما أثبتت وجود علاقة بين قدرتنا على السيطرة على انفعالاتنا والحفاظ على الصحة. فترويض أجسامنا على التكيف مع تجارب الحياة واحباطاتها، وإدارة الانفعالات يعتبر سلوكا إيجابيا لصحتنا.
أكدت الأبحاث والملاحظات الإكلينيكية أن الغضب المزمن يعرض لأخطار مهلكة منها:
• ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين وأمراض القلب؛
• الاضطرابات الهضمية وتفاقم إصابة الأمعاء مثل القولون؛
• زيادة مستوى الكولسترول؛
• الجلطة المخية وحدوث نزيف دماغي؛
• العمى المفاجئ بسبب إصابة الأوعية الدموية للعين؛
• اضطرابات هرمونية قد تتسبب في ظهور بؤرة سرطانية في أحد أجهزة الجسم.
الهدي القرآني والنبوي في معالجة الغضب
قال الله سبحانه وتعالى: “الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين” [اَل عمران، 134] جعل الله كظم الغيظ والتسامح عند الغضب وسيلة من وسائل التقرب إليه والدخول في زمرة العباد الذين يحبهم الله. عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: “قلت يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة، قال: لا تغضب ولك الجنة” [رواه البخاري، 6116]، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما من جرعة أعظم أجرا عند الله من جرعة غيظ كظمها عبد ابتغاء وجه الله” [رواه ابن ماجة وأحمد والبخاري في الأدب].
لقد دعا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، إلى ضبط النفس عند الغضب وأوصى بإرشادات نورانية تساعد المسلم على إدارة الغضب وإيقاف استمراره من خلال أحاديث نبوية شريفة:
• السكوت فور الغضب: قال نبينا الهادي عليه أزكى الصلاة والسلام: “علموا وبشروا ولا تعسروا وإذا غضب أحدكم فليسكت” [مسند الإمام أحمد]؛
• الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: عن سليمان بن صُرَد رضي الله عنه قال: “استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فغضب أحدهما فاشتد غضبه حتى انتفخ وجهه وتغير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه الذي يجد، فانطلق إليه الرجل فأخبره بقول النبي صلى الله عليه وسلم وقال: تعوذ بالله من الشيطان، فقال: أترى بي بأس أمجنون أنا اذهب” [رواه البخاري]؛
• تغيير الوضعية: فقد جاء في الحديث النبوي: “إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع” [رواه أبو داود]؛
• الوضوء: عن عطية السعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الغضب من الشيطان خلق من النار وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ” [رواه أحمد وأبو داود].
تعد هذه التوجيهات النبوية الشريفة كنز من كنوز الإعجاز العلمي في السنة النبوية التي أبدت إرشادات وجيهة للحد من خطورة آفة الغضب، فمنذ أربعة عشر قرن نوه الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام بضبط النفس، وترويض الانفعال الغير اللائق، إلا في حالة انتهاك حرمات الله عز وجل، وها نحن في هذا العصر أحوج إلى هذا الخلق العظيم الذي لم يبدأ علماء الغرب يهتمون بدراسته ويجتهدون كل بحسب نظريته إلا في السنوات الأخيرة؛ بحثا عن أنجع الوسائل لمساعدة الأشخاص على إدارة الغضب.
المراجع
1. جيل لندنفيلد، إدارة الغضب.. أبسط الخطوات للتعامل مع الإحباط والتهديد، مكتبة جرير،المملكة العربية السعودية، الطبعة الرابعة، 2008م.
2. محمد العجرودي، روض انفعالك (لا تغضب)، الإعجاز العلمي، العدد: 33، ص: 46-53، جمادى الآخرة 1430هـ.
3. Daniel Ravon, Apprivoiser ses émotions.. l’intelligence des situations, Groupe Eyrolles, Paris, 2008.
أرسل تعليق