بناء الأسرة – الدواعي والمقتضيات
الأسرة للمجتمع كالقلب للجسد، فهي المضغة التي إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كلّه. الأسرة مؤسَّسة، بكل ما تعنيه كلمة “مؤسسة” من أبعاد ومعاني، فهي تتطلب توجيها، وتخطيطا، وتنظيما، وتشريعاً، وإدارة، وتدبيرا ماليا، وتكوينا وتأهيلا، وعلاقات خارجية.. كل ذلك في إطار عضوي نسقي، مع باقي الأسر الأخرى المكونة للعائلة، والدوار، والقبيلة، والمدينة، والإقليم، والجهة، فالوطن، والأُسرُ في كل ذلك بمثابة الخلايا ضمن النسيج الخلوي المتنوع والمتعاضد الذي يشكل المجتمع الواحد.
ففتح أسرة، يقتضي مواكبة المجتمع وتأهيله للمقبلين على ذلك، وهو دور كانت تقوم به بامتياز مؤسسة الأسرة الممتدّة، حيث كان ذلك التأهيل يسري بين أفراد الأسرة، بلساني الحال والمقال، كما يسري الماء في العود الأخضر، غير أن مقتضيات سياقنا المعاصر، قد فككت كيانات الأسر الممتدة إلى أسر نووية، مما انعدم معه ما كان ساريا من التأطير والمواكبة والتأهيل في بنيتنا الاجتماعية السابقة، وهو أمر يقتضي استدراكا ناجزا.
تكون وراء إقدام شاباتنا وشبابنا على التزويج وفتح أسر -على العموم- جملة دواعي، كالتحصين، والاستقرار، والعيش مع من يُرتاح إليه. وهي دواعي -على نبلها- لا تشكل من مجموع ما يلزم لفتح أسرة، إلا ما يشكله الجزء الظاهر من جبل الجليد من مجموعه، وأما الجزء الذي تحت الماء –تسعة أعشاره- فهو المقتضيات الضرورية لتحقيق هذه الدواعي، وهذه المقتضيات يمكن تصنيفها إلى أربع فئات:
أولها: المهارات؛ وهي تختلف باختلاف بنود دفتر التحملات الذي يتواضع عليه الزوجان المؤسسان، وهو دفتر يمكن أن يكون في غاية المرونة، غير أنه ضروري التحديد في مبتدإ الحياة الزوجية، حتى لا يؤدي اختلاف تصور الزوجين لحياتهما معا ولأدوار كل منهما، إلى انتظارات لا تتحقق، مما يمكن أن يسبّب للطرفين إحباطات صعبة التجاوز، وهذه المهارات تتراوح بين التواصلي والميداني والتربوي، والاجتماعي، والنفسي، ويستلزم بناؤها في الزوجين جهدا ممنهجا ومستداما، وإن مجتمعاتنا المعاصرة -عموما- تعاني من ارتباكٍ واضحٍ بهذا الخصوص؛
ثانيها: القدرات، ويقصد بها المادية والجسدية والعقلية التي لا بدّ من حد أدنى منها لفتح بيت؛
ثالثها: التمثل الكافي لكليات النسيج التشريعي المتفق عليه ضمنيا أو بالتصريح بين الزوجين، حتى يكون لهما مرجعية مشتركة يرجعان إليها في حالات الخلاف؛
رابعها: الانغراس في محيط اجتماعي يواكب التجربة في منشئها وأثناء تطورها.
إننا لنغتبط اليوم أن مدونة الأسرة قد أولت في بنودها العناية الواعية بهذه المقتضيات جميعا، غير أن البعد الإجرائي والتنزيلي في مجال تثبيت هذه المقتضيات في نفوس شبيبتنا، لا يزالان في غاية الضمور. وإننا لنرنو إلى أن تواكب مؤسساتنا ومجتمعنا المدني هذه الجهود المبذولة بإنشاء مراكز متخصصة تمُنح فيها –لمن أراد من المقبلين على الزواج- التكوينات والتأهيلات المستدرِكة لما اندرس من دَوْر الأسرة الممتدة بهذا الصدد.
الأمين العام
للرابطة المحمدية للعلماء
أرسل تعليق