بأصوات الشباب يسمح للحياة أن تعبر عن نفسها
من خلال تناولي للأسرة والمجتمع اكتشفت الكثير من الجديد والعتيق، في تضاريس جدران وجدان أمتي، بما ينبع في أرضها من مفاجآت ومخبئات جديدة ستوسع من معرفتنا وتغير من رؤيتنا وبما يدعم القيم الإنسانية، بروح معنوية صادقة، وبما يرجح كفة الأمة في ميزان خدمة الإنسان، في عالم إسلامي مليء بالمتناقضات والصراعات، ومع ذلك فلا ينكر المجهود المبذول الذي نشاهده يدب على الأرض، كواقع عملي محسوس شبه هاش كأنه يقول: أن هناك أمل وبالأحرى ينبغي عدم الاستسلام لليأس ومهما كابدنا من انقسام ومهما تزاحمت دلالات الالتباس التي لا تخلو من أسى.
وما علينا إلا إذكاء الجهود لقطف الثمار بما نقدمه من أرواحنا وقلوبنا وعقولنا لتسخير العلم الذي هو مما تشترك فيه الإنسانية جمعاء، مع الانخراط الكامل في حركة التاريخ والتقدم، لنبش حاضرنا الجامد فتنطلق العقول الناشئة في مشروع رائد منسق ومتدرج، لوضع معلم حضاري في خطوطه الكبرى، كتمهيد لإضاءة الطريق، وبشباب يعيد للأمة هيبتها، بعيدا عن التجاذبات العقيمة، والانقسامات المتعجرفة، وتطرفها الأعمى، والملاحقة والإقصاء والضياع.
ولإعادة اكتشاف الذات الخلاقة بعد هذا الفشل، والتجارب العشوائية المريرة، وإشعار الآخر بالانتماء الواحد لأرض وتاريخ إنساني مشترك، بصرف النظر عن الجنس والديانة والعرق والطبقة، ولكن بما يلائم العصر، وهذا ما ينبغي أن تستوعبه الأجيال الشابة، وبذوق يبرز أهمية قيمة التسامح واحترام الآخر.
ومن خلال هذا المنبر أهنئ أولئك السائرين في رحلة البحث عن التوازن الوجداني والعقلي معا، في وسائل التواصل الحديثة، وفي أهم خطوة ينبغي أن تتخذ لكي تستعيد الأمة مكانتها لتأسيس نهضة علمية، والمستقبل مرهون بحماسة الأجيال الجديدة التي تذكر بالأخوة الإنسانية بين البشر أجمعين، وتمجيد العقل الداعي إلى بناء الحياة على التفكر والتعقل، ونشر الدعوة بالحجة والإقناع، والاعتراف بضرورة الاختلاف واحترامه، والمهمة العسيرة الضخمة هو إعداد الأجيال بما يؤهلها إلى الابتكار والممارسة مع اختلاف التلاوين، وهي مهنة تعنى بإنسانية الإنسان.
والآن فليعلم الجميع أن الدين روح المجتمعات به تقوى وتحيا، وبه ترتفع إنسانية الإنسان ويصحح مسار حياته على الأرض به يعرف المتمدين الطريق الذي يوصله إلى كل غاية كريمة، ويؤهل للقيام بأعباء الاستخلاف بالأرض، وأمم الأرض حريصة على الانتفاع بطاقات الشباب المؤهلة، وإذا كانت حكمة وحنكة الشيوخ خبرة لا تستغني عنها الأمم الحية، لكن جانب التنفيذ والقدرة المركزة الدءوب فالشباب حياة تتفجر منه كل الإبداعات والمهارات الخلاقة، والبشرية بأجمعها تواجه تيارات جارفة منحرفة، تحاول أن تكتسحها وترمي بها في طيات النسيان، والأجيال الصاعدة ينتظر منها أن تؤدي ثمن أوطانها، فهي صاحبة القول الفصل، ومن لا يعترف بذلك فهو مكابر ومجاحد.
وعلينا أن نفسح المجال للأجيال الشابة لتتحمل أعباء عصر جديد، وتؤدي دورها التاريخي، وتاكيد فعله في مستقبل الإنسانية المرتقب. كما أن التجديد سنة الحياة قولا وعملا حقيقة لا مجازا، والأمة إذا لم تسر في ركب التجديد تعجز عن التطور، والتجديد هو شجرة الخير الوارفة، وريحانة نهر الإنسانية يشق طريقه في مناكب الأرض، والحياة في منعطفات التاريخ تحتاج إلى قيادة ربان جديد يحمل تجربة وعلما وقلبا صادقا ليسير بركب البشرية في بحر عاصف وهو آمن، والكلمة القوية الهادرة من الشباب أشبه بعاصفة على العصر، توقظ غفاة البشر، وتفجر أبدع وأروع ما في أعماق الإنسان وتبشر بخلاص إنساني من نوع جديد، كلمة حية وحقيقية فيها طعم الماء وحرارة البركان، تترجم في ضمائر الناس إلى موقف والتزام، فشباب يحس بنبضات قلب العصر الذي يصوغ عصره، يشخص داء البشرية ويصف لها الدواء، ويغوص في ضمير العصر بما يشعر إنسان عالمنا المعاصر بالفخر كلما تذكر أن قلبه ينبض. والشباب هم الحلقة التي تصل الشرق بالغرب، فالمسؤولية عليهم أشد منها على سواهم، ولابد من الاتصال حتى يتم التبادل الخلاق وهو الرقي الحقيقي، بل فيه تصير البشرية إلى أعلى درجات التمدين، وشباب اليوم يملك خصائص ومميزات بروح شابة تجنح نحو الذوق الرفيع والعلم النافع في وقت واحد لتحرير الإنسان من قيود الجهل والفقر والخوف، وتخفيف اللآلام البشرية وإزالة الاوهام بالفكر الحر والبحث الحر والقول الحر، ولكل شاب إرادة ينميها الترويض وتعززها الممارسة، ولكل شاب حلقة اجتماعية صغيرة يستطيع أن ينير فيها مصباح الوعي والحب الإرادة هو موقد نار الحرية، ونور السر الأكبر لبركان يثور فيصبح ملء السمع والعين، وأخشى أن يخمد فينسى الناس أنه كان موجودا وكان يسير في موكب يحيط به الجلال…
أرسل تعليق