النوازل الاقتصادية في المذهب المالكي.. (9)
الجانب الاقتصادي للنوازل المرتبطة بالاستثمار الزراعي
نوازل توزيع المياه
تشكل نوازل المياه موضوعا أساسيا داخل كتب النوازل، وقد احتفظت هذه الكتب بالنزاعات والمشاكل التي كانت تثار بسبب قسمة المياه وتوزيعها واستغلالها. وهذه النوازل تمكننا من معرفة الموارد المائية التي كانت بمنطقة الغرب الإسلامي، وأثر ذلك على النشاط الزراعي، وأساليب استغلال هذه المياه، من ذلك نازلة تتعلق بالنزاع على الغروس الواقعة على حافتي وادي فاس، بين أهل مزدغة السفلى وأهل أزكان.
وتحتوي هذه نازلة على تصوير دقيق للوادي من تحديد للمنبع الذي يصدر منه الماء، ثم المجاري التي يصب فيها والجهات التي تستغل مياهه، وأنواع بعض الغلات المزروعة كالزيتون[1] مثلا.
ومن ذلك تنازع المصموديين مع الفاسيين في كنس وادي مصمودة لزيادة الماء فيه لسقي خضرهم وثمارهم، وهذه النازلة تحتوي على معطيات بيئية مهمة، فهي تقسم أرباب الدور بالنسبة لانتفاعهم بماء النهر المذكور على ستة أصناف.
الصنف الأول: من جر من النهر شيئا لغسل رحاضه أو لصهريج في داره؛
الصنف الثاني: أصحاب الآبار التي تسري إليها الرشوحات؛
الصنف الثالث: أصحاب القنوات والمراحيض التي تصب في النهر؛
الصنف الرابع: المجاورون له والساكنون عليه؛
الصنف الخامس: الذين يطرحون الزبل والتراب في أزقتهم وشوارعهم فتحمله السيول والأمطار حتى تلقيه في النهر؛
الصنف السادس: الذين يسقون منه لشفتهم ويسقون درابهم[2].
وهذا التقسيم يبين علاقة السكان بالنهر وطرق استغلاله، والمشاكل البيئية التي كان النهر يعرفها.
وهكذا يتبين دور النوازل في الكشف عن الجوانب الاقتصادية في مجتمعات الغرب الإسلامي.
يتبين من خلال ما سبق أن موضوع النوازل الاقتصادية شكل جزءا مهما من اهتمامات فقهاء النوازل بالغرب الإسلامي. وتبرز هذه الأهمية في حجم النوازل المنشورة في كتب النوازل، أو في نوعية الرسائل المرتبطة بموضوع النوازل الاقتصادية.
وتمثل النوازل الاقتصادية في المنظومة النوازلية حلقة مهمة يستطيع الباحث من خلالها تحديد النسيج الاقتصادي والاجتماعي بالغرب الإسلامي، كما يستطيع معرفة النمط والأشكال التي اتخذها السلوك الاقتصادي، ونوعية الإشكاليات التي جابهها الفرد والجماعة في التفاعل مع البيئة.
إن النوازل الاقتصادية تكشف عن جانب مهم من حياة شعوب الغرب الإسلامي، وترسم معالم حية للبنية الاجتماعية والاقتصادية في امتداداتها الأفقية والعمودية، وما تختزنه من عادات وأعراف، وما تموج به من قضايا وظواهر، وما تبرزه من خصوصيات بيئية، وتأثيرها على السلوك الاقتصادي للإنسان.
ولقد تعددت قضايا النوازل الاقتصادية بالغرب الإسلامي بتعدد الامتداد الجغرافي والمراحل الزمنية لهذه البلدان، إن النوازل الاقتصادية تحمل في مضامينها أبعادا حضارية للسلوك الاقتصادي كما جرى تطبيقه بالغرب الإسلامي، وتعكس دور الفقيه في تأطير حركة الفرد والمجتمع من المنظور الشرعي.
—————————————————–
1. المعيار، ج : 8، ص: 5-20.
2. المعيار، ج: 8، ص: 20-29.
أنظر أيضا تقرير عدلي عن مجاري مياه وادي فاس وإصلاحها: عبد القادر زمامة، ص: 81، منشور بمجلة كلية الآداب ظهر المهراز، فاس، العدد السادس، 1982-1983.
أرسل تعليق