النوازل الاقتصادية في المذهب المالكي.. (7)
الجانب الاقتصادي للنوازل المرتبطة بالاستثمار الزراعي
النموذج الثاني: مسائل السماسرة
وهذا النوع من النوازل يصور علاقة السمسار بالتجار وطبيعة عمله، والالتزامات التي تترتب في ذمته، ثم علاقته بالمشترين والأساليب التي يتبعها في ترويج السلع داخل السوق.
ولا تنحصر أهمية هذا النوع من النوازل في بيان الأساليب المتبعة في عملية السمسرة، بل تتعدى ذلك للكشف عن المواد المبيعة، وهذا يظهر الوجه الاقتصادي لهذه النوازل.
من ذلك وجود صناعة الصابون بالشمال المغربي في القرن الثالث عشر الهجري، فقد سئل الرهوني[1] عن نازلة وهي دار الصابون مملوكة لأناس فدفعت السمسار ليبيعها ثم إنه سمسرها إياها..[2].
ومن ذلك أيضا شيوع بعض الظواهر كأخذ السمسار حقا من المشتري ومن البائع[3]، وشركة السماسرة[4].
النموذج الثالث: النقد وإشكاليات الديون الآجلة
وهذا النوع من النوازل يعالج الإشكاليات التي تترتب عن التعامل بالنقود، والصرف والقرض.
والجانب الاقتصادي لهذه النوازل يوقفنا على أنواع النقود التي كان يجري التعامل بها[5]، وقيمتها مع باقي النقود الأخرى، وقياس مستوى سعر المواد الاستهلاكية[6]، ومن هذه النوازل مسألة من تسلف ريالة هل يجوز له أن يأخذ فيها خمس بسيطات أم لا؟
وهي مسألة سئل عنها المهدي الوزاني[7]، وهذا يعكس وجود التعامل بالريال والبسيطة مما يدل على وجود التعامل التجاري بين التجار المغاربة والإسبان في هذه الفترة.
وقد استند الوزاني في الجواب عن هذه النازلة بالرجوع إلى نوازل الزياتي الذي نقل عن سيدي عبد القادر الفاسي[8] الذي سئل عمن ترتب له في ذمة إنسان عشرون ريالا أو أربعون مثلا من سلف أو من بيع، فلما أراد اقتضاءها أحضر له الدراهم، فهل يجوز أن يأخذها في دينه، وأصله ريال، أم لا، وإذا قيل بالجواز، فهل يأخذ عشرين موزونة[9] في الريال أو أكثر؟
فأجاب: أعلم أن هذا بمنزلة اقتضاء القراريط والأثمان عن الدراهم، والمسألة فيها اختلاف ثم ساق نصوص الفقهاء في ذلك[10]..
يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى
—————————————————–
1. الرهوني: أبو عبد الله محمد فتحا بن أحمد الرهوني نسبة لرهونة قبيلة بجبال غمارة من المغرب الوزاني قرارا أخذ العلم بفاس، كان من فقهاء وقته ودارت الفتيا عليه في المغرب، وكان ملجأ الملمات في النوازل والأحكام، توفي سنة 1230 هـ: الفكر السامي، ج: 4، ص: 296.
2. النوازل الصغرى، ج: 3، ص: 22.
3. المعيار، ج: 8، ص: 363.
4. المعيار، ج: 8، ص: 364.
5. كالدرهم القديم والدراهم الجرودية والقراط، انظر نماذج من هذه العملات في الجزء الثامن من المعيار.
6. وهذا ما يستنتج من النازلة التالية حيث سئل الواغليسي عمن غاب عن زوجته ولها عليه عشرة دنانير، فقال لها يوم سافر خذي في العشرة دنانير ثلاثة أثمان قمحا، وهي في المطمورة بعد ما حلها. وجاء بعرض القمح إليها هل ذلك أم ليس لها إلا العشرة التي لها؟ فأجاب: إن كان علي أن تأخذ القمح متى أرادت فذلك جائز ولازم.. انظر النازلة في المعيار، ج: 5، ص: 89.
7. المهدي الوزاني: أبو عيسى المهدي بن محمد بن محمد العمراني نسبا الوزاني أصلا الفاسي دارا، أحفظ أهل وقته للمذهب المالكي، له المعيار الجديد في عدة أجزاء، وهو الذي تولت وزارة الأوقاف طبعه. توفي الوزاني سنة 1342هـ: الفكر السامي، ج: 4، ص: 318.
8. أبو محمد عبد القادر بن علي الفهري الفاسي علامة المغرب وشيخ مشايخه، انتهت إليه رئاسة الفتوى بالديار المغربية مع نزاهة وتمسك بالسنة، توفي سنة 1091هـ فهرس الفهارس، ج: 2، ص: 156.
الفكر السامي، ج: 4، ص: 281.
9. الموزونة: قطعة فضية كانت تطلق على كل قطعة يقل وزنها عن الدرهم الشرعي، مثل موزونة مولاي رشيد ومولاي اسماعيل، ثم أصبحت تطلق منذ إصلاح سيدي محمد بن عبد الله، وطوال القرن 19 على ربع درهم (وزنها 0,72غ) وعلى ربع ألوقية (24 فلسا، والمثقال يساوي 40 موزونة)
مسألة النقود في تاريخ المغرب: عمر آفا، ص: 419. مطبعة النجاح الجديدة منشورات جامعة القاضي عياض كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير الطبعة الأولى 1408هـ/1988م.
10. النوازل الصغرى، ج: 3، ص: 26، وانظر نماذج أخرى في الصفحة: 113.
وشرح العمل الفاسي لأبي عبد الله سيدي محمد بن قاسم السجلماسي، ج: 2، ص: 4، طبعة حجرية عند قول النظام: وفي القديم بالجديد لا عدد.. مثلا بمثل راطلن يدا بيد. فقد أورد كثيرا من المسائل. الجواهر المختارة مما وقف عليه من النوازل بجبال غمارة للزياتي، الجزء الأول، ص: 76، مخطوط بالخزانة العامة بالرباط، 1698د.
أرسل تعليق