الناصية.. مركز القيادة
قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز: “كَلَّا لَئِنْ لَّمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ” [العلق، 15-16]. وصفت هذه الآية الكريمة ناصية أبي جهل بالكاذبة والخاطئة، وهي تشير ضمنيا إلى حقيقة علمية لم يتوصل إليها الإنسان إلا خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين؛ ألا وهي تواجد مركز القيادة والتوجيه والسلوك الإنساني بمقدم الرأس.
فقد تبت من الناحية التشريحية أن الناصية توافق الفص الجبهي للدماغ -Lobes frontales- وهو يحتوي على خمس مراكز عصبية تتخصص كل واحدة منها في وظائف محددة:
• مركز الحركة الأولي: -Aire motrice primaire-وهو المسؤول عن تحريك العضلات الإرادية للجهة اليسرى من الجسم؛
• مركز الحركة الثانوي: -Aire motrice secobdaire- وهو المسؤول عن تحريك العضلات الإرادية للجهة اليمنى من الجسم؛
• الحقل العيني الجبهي:Domaine d’œil frontal- – وهو الذي يقوم بالتحريك المتوافق للعينين إلى جهة واحدة؛
• مركز بروكا -Broca- لحركات النطق؛ وهو المسؤول عن تنسيق الحركة بين الأعضاء التي تشترك في عملية الكلام كالحنجرة، واللسان والوجه.
• القشرة الأمامية الجبهية: -Cortex pré frontal- وهي التي تقع مباشرة خلف الجبهة، وترتبط وظائفها بتكوين شخصية الفرد من الناحية السلوكية والتدبيرية؛
وقد اكتشف علماء الجهاز العصبي أن دور القشرة الأمامية الجبهية، أساسي لتحقيق كل فعل إرادي والتحكم فيه، حيث يعمل الدماغ على تحديد الهدف والمحافظة عليه على المدى البعيد ويُعد خطة عمل لتحقيق ذلك الهدف..
ومن مهام هذه القشرة كذلك، الإشراف على تحقيق الأفعال الإرادية، وذلك بتنسيق مع أدوات الفكر “النطق، الذاكرة، الرؤية، السمع..”.
وقد قسم علماء الجهاز العصبي “الفص الجبهي الأمامي” إلى ثلاث مناطق فرعية وظيفية:
• المنطقة الظهر(جانبية)، -La région dorsolatérale- وهي منطقة أساسية للوظائف “التنفيذية” Fonctions- -exécutives– أي العمليات العقلانية الضرورية لتحقيق الأفعال الإرادية والتي تضم: “التخطيط”، “استراتيجيات جمع ومعالجة التصميمات العقلية”، “تصور القواعد”، “التنظيم الزمني للفعل”، “تثبيط السلوك البدائي وردود الأفعال المحيط البيئي”؛
• قشرة الفص الجبهي (المداري- البطني) -Cortex préfrontal orbitoventral- وتمثل امتدادا لجهاز معالجة العاطفة، الانفعال، والتحفيز. وقد أظهرت أبحاث حديثة أن هذه المنطقة ضرورية لإضفاء القيمة العاطفية والسياقية للسلوك؛
• قشرة الفص الجبهي (الداخلي أو المتوسط) -Cortex préfrental interne- -ou médian- وهي ضرورية لإشراك أي سلوك ذاتي.
تنتمي هذه الأنظمة الثلاث إلى مناطق مترابطة وهي تعمل بشكل متناغم.
إن نظام بناء الأفعال الإرادية وتكييفها مع الأوضاع المتجددة أو المعقدة، يمكن تصورها كنظام تمهيدي بين التصور والفعل؛ حيث يساعد على تجنب ردود الأفعال التفاعلية وبرمجة السلوك الذاتي تحت تأثير عدة عوامل تتدخل في عملية صنع القرار.
وبالتالي فالقشرة الجبهية الأمامية المتواجدة في عمق ناصية الإنسان هي مركز صنع القرار الذي يضبط تصرفاته وسلوكياته.. فهي مسؤولة عن الاختيار بين السلوك المنحرف والسلوك القويم “كالكذب والصدق، الخطأ والصواب..”، وهذا ما أشارت إليه الآية الكريمة السالفة الذكر. فهذه الخاصية تميز الإنسان عن سائر الحيوانات؛ لأنها تخول له إمكانية تدبير شؤونه بنفسه، ومن تم فالناصية لها علاقة مباشرة بقضية تكليف الله جل للإنسان، مصداقا لقوله تعالى: “بَلِ الاِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ اَلْقَى مَعَاذِيرَهُ” [القيامة، 14-15].
المراجع
1. نادية الطيارة، موسوعة الإعجاز القرآني في العلوم والطب والفلك، الجزء الأول، الطبعة الأولى، مكتبة الصفاء أبو ظبي، 2007.
2. Richard lévy, Organisation Fonctionnelle Du Cerveau, revue du praticien, 5 3, p361-66, 2003
-
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أود أولا أن أشكر كل من شارك في إغناء الموضوع.
فكما تفضل الأخ الكريم أكدت الأبحاث الأخيرة التي أجريت على الدماغ بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي أن القشرة الأمامية الجبهية cortex prefrontal تلعب دورا محوريا في سلوك الخداع والتضليل والكذب …
أما بالنسبة لمن أثار موضوع تفسير القرآن بالعلم، وأعني بالتفسير العلمي المؤكد وليس مبنيا على الفرضيات والنظريات إنما على الدراسات العلمية المحضة. فأود هنا أن ألفت نظرك إلى أن القرآن في عديد من آياته الكريمة قد أشار إلى بعض أسرار الكون وبعض الحقائق العلمية التي تتطلب معدات وأجهزة متطورة لفهمها واستكشافها الشيء الذي كان مستحيلا في الزمن الذي أنزل فيه القرآن. وهنا يكمن الإعجاز العلمي الذي بسببه أسلم العديد من العلماء،كما أن المذاكرة في هذا العلم لا يزيد المسلم إلا تصديقا والمؤمن إلا إيمانا . -
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
للإشارة فقط بعد الشكر الجزيل للدكتورة الفاضلة، فالمراد بالناصية ليست ناصية كاذبة وإنما المراد معنى مجازي وليس حقيقيا فهو من باب المجاز لا من باب الحقيقة فأطلق الكذب على صاحبها … -
اكتشف العلماء حديثاً أن المنطقة المسؤولة عن الكذب هي مقدمة الدماغ أي الناصية، واكتشفوا أيضاً أن منطقة الناصية تتنشط بشكل كبير أثناء الخطأ، ولذلك فقد خلصوا إلى نتيجة أو حقيقة علمية أن عمليات الكذب وعمليات الخطأ تتم في أعلى ومقدم الدماغ في منطقة اسمها الناصية، والعجيب أن القرآن تحدث عن وظيفة هذه الناصية قبل قرون طويلة فقال: (ناصية كاذبة خاطئة)، فوصف الناصية بالكذب والخطأ وهذا ما يراه العلماء اليوم بأجهزة المسح المغنطيسي،
فسبحان الله العظيم! -
شكرا للأستاذة الفاضلة على هذه المقالة المتميزة. ملاحظتي يمكن صياغتها كالتالي:
نعرف أن قول الله تعالى مطلق وصالح لكل زمان ومكان، في حين أن العلم متغير وغير ثابت، يتغير بنظريات أصحابه وبمناهجهم وتقنياتهم، يتغير بتغير التاريخ وتطوره، فكيف يمكن أن نفسر قول الله المطلق من خلال العلم الذي يعتبر متغيرا ويدحض بعضه البعض الآخر؟ وإن ظهر جديد في العلم يدحض ما تم الكشف عنه بخصوص هذه المناطق الدماغية، فهل سنعيد تفسير الآية الكريمة وفق التصور العلمي الجديد؟ وبذلك تصبح الآيات الكريمة متغيرة في معانيها بتغير النظريات العلمية.
في اعتقادي أن ديننا أسمى من أن نفسره بالنظريات العلمية المتغيرة والقابلة للدحض.
وشكرا -
أشكر الدكتورة الفاضلة على هذا العرض العلمي القيم، ألا وهو الناصية، فالناصية هي مقدمة الرأس وفيها تدور الأفكار، وتتنوع توجهاتها، وبها يدرك الإنسان طريق الخير والشر..
يقول عز وجل عن أبي جهل: "نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ" فوصفُ الله لناصية أبي جهل بالكاذبة الخاطئة، هو ذم له؛ لأنه لم يستخدمها في الخير..
وقد ثبت علميا أن هذه الناصية هي المحرك الرئيس في الاختيار والتمييز.. فلذلك: قامت بعض الدول باستئصال هذه الناصية عند بعض المجرمين فأصبحوا كالأطفال الصغار الذين لا يحسنون التمييز بين الأشياء.. -
قيل في تفسير الناصية: أي شعر مقدم الرأس. وقد يعبر بها عن جملة الإنسان، كما يقال: هذه ناصية مباركة، إشارة إلى جميع الإنسان.
وخص الناصية بالذكر على عادة العرب فيمن أرادوا إذلاله وإهانته أخذوا بناصيته. وقال المبرد: السفع: الجذب بشدة، أي لنجرن بناصيته إلى النار. وقيل: السفع الضرب، أي لنلطمن وجهه. وكله متقارب المعنى.. -
شكرًا أختي إيمان على هذه المعلومات القيمة
جازاك الله عنا كل خير
التعليقات