المولى الحسن الشريف بن القاسم “الداخل”… (7)
وقد تمكن المرينيون من فتح سجلماسة في 3 ربيع الأول 673 ﻫـ/ 1274م بعد سنة كاملة من الحصار[1].
ابتداء من هذا التاريخ دخلت مدينة سجلماسة في أزمة عمرانية شاملة، فالمرحلة المرينية أعطت أحداثاً تلاحقت فيها تدخلات الدولة من أجل السيطرة عليها والتحكم فيها ومن أجل فرض النفوذ على القبائل المتنافسة على طرق المدينة ومنافذها[2]. وقد تقوى في هذه المرحلة قبائل بني معقل وانتشروا فارضين سيطرتهم على منافذ الطريق إلى سجلماسة، وبالرغم من تعدد بطون عرب المعقل التي دخلت المغرب، فإن الزعامة بمجالات إقليم تافيلالت كانت تعود لأولاد الحسين والأحلاف وهم من بطون ذوي منصور[3]، وهي من أكثر البطون تأثيراً في أحداث المغرب السياسية ابتداء من أواخر القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي. وقد أصبحت تافيلالت منذ هذا التاريخ خاضعة لتوجيههم ونفوذهم، لأنهم كانوا العناصر الحيوية بمجالاتهم، و«كانت بينهم فتنة، وتجمعهم العصبية في فتنة من سواهم[4].
وقد أثر نزاع هذه الزعامات بشكل كبير في أوضاع المنطقة التي كانت مسرحاً للعديد من المواجهات العسكرية والاجتماعية والتناحرات القبلية تكبدت فيها مدينة سجلماسة العديد من الخسائر جراء الحصار الذي كان يضرب عليها بين الفينة والأخرى، ابتداء من حصار سنة 672 ﻫـ\1273م وما تلاحق بعد ذلك من السنين والانتفاضات الداخلية والهجومات القبلية مما استدعى استقدام عناصر حكيمة تحقق الحكامة في المدينة وإقليمها.
وكانت تحركات الأمراء المرينيين عاملاً قوياً في إعطاء القوة القبلية العربية المعقلية والزناتية دعماً كبيراً لحركة الاستقرار والانتشار في الإقليم وتوسعاً في أشكال الزراعة وعملية استصلاح الأراضي ونشأة قصور السكن وغرس النخيل والمزروعات، وكذلك إعادة ترتيب نظام التجارة مع إفريقيا جنوب الصحراء، وهذا ما أنعش الحياة الاقتصادية بقوة وطورها إلى إنتاج قابل للتصدير بالقوافل في المناطق الصحراوية. فصارت بذلك سجلماسة وإقليمها الفيلالي مركزاً اقتصادياً واجتماعياً نتيجة لهذا التحول الجديد الذي وقع في المنطقة ولا يطوره إلا الأمن الداخلي، ومن ذلك ما تحقق في أيام أبي علي عمر المريني المستقل بسجلماسة حوالي 714 ﻫـ\1315م[5]، فجعل منها عاصمة للجنوب المغربي تسعى للتحكم في أكبر رقعة ممكنة من مجال النفوذ المريني، فتوجهت أول حملاته نحو قصور الصحراء الواقعة إلى الجنوب من سجلماسة..
وهذا ما يدفع إلى الاعتقاد بأن ذلك كان نتيجة التعقيدات التي بدأت تعرفها التجارة الصحراوية، بسبب تحكم عرب المعقل في مسالكها الجنوبية الغربية ونهبهم للقوافل المارة بمجالاتهم وما ترتب عن ذلك أيضاً من انحراف الطرق في جهات متعددة وخصوصاً ما حصل من تغير وتحول في طرق الملاحة التجارية العالمية في القرن السادس عشر. واستطاع أمير سجلماسة التحكم في هذه المناطق الصحراوية التي تضم قصور توات وتيكورارين وتمنطيت ووادي الساورة دون صعوبة، ويرجع السبب في ذلك إلى كونها كانت مأهولة من طرف أولاد حسين من عرب المعقل، الذين لم يستطيعوا الظعن والارتحال صحبة ذوي منصور، فاستقروا بقصور الصحراء التي اختطتها زناتة قبل زحفها على مناطق الشمال في حوض وادي زيز ودرعة. ولعل ذلك هو أحد الأسباب القوية التي حملت القوى الاجتماعية البصيرة بأمور المدينة وخلافاتها المحلية، على استقدام الأشراف الحسنيين من ينبع النخيل والالتفاف حولهم والارتباط بهم، وهذا ما يرجح أن يكون وصول المولى الحسن القادم وتوطين بنيه في المدينة في الربع الأخير من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي.
يتبع في العدد المقبل..
——————————————-
1. ابن أبي زرع، علي الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار المغرب وتاريخ مدينة فاس، تحقيق عبد الوهاب ابن منصور، الرباط، دار المنصور للطباعة والوراقة 1972، ص:312.
2. نفس المصدر، ص: 312-315.
3. ابن منصور، عبد الوهاب، قبائل المغرب. الرباط، المطبعة الملكية 1388 ﻫ/ 1968م، الجزء: 1، ص: 425.
4. ابن خلدون العبر، مصدر سابق، الجزء: 6، ص: 89.
5. ابن أبي زرع، المصدر السابق، ص: 399.
أرسل تعليق