المولى الحسن الشريف بن القاسم “الداخل”… (5)
2. اختلال التوازن الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب
تأزم الوضع الاقتصادي بالمغرب الأقصى في هذه المرحلة (الربع الأخير من القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي)، نتيجة توالي المجاعات والجفاف مما شجع عرب المعقل على فرض سيطرتهم على المسالك التجارية بهدف التمكن من التجارة الصحراوية والحصول على موارد العيش. وسجلت المصادر تعاقب سنوات الجفاف ما بين سنة 686 و690 هـ\1285-1291 م، وفي سنة 693 ﻫ/ 1294 م، عمت المجاعة الشديدة والوباء العظيم المغرب وإفريقية ومصر وهلك من جراء ذلك خلق كثير[1].
وكان لموجة الجفاف التي اجتاحت المغرب الأقصى في مدة حكم أبي سعيد عثمان المريني في أوائل القرن الثامن للهجرة أثر في ما قام به عرب المعقل من اعتراض القوافل التجارية، إذ ذكر ابن أبي زرع أن البلاد عرفت تضرراً كبيراً وهلك الناس والدواب والمواشي والبقر والغنم والخيل والإبل والدواوير بفعل تلك الكوارث[2].
هذا فضلا عن التعقيدات التي بدأت تعرفها التجارة الصحراوية، بسبب تحكم عرب المعقل في مسالكها الجنوبية الغربية ونهبهم للقوافل المارة بمجالاتهم وما ترتب عن ذلك أيضاً من انحراف الطرق في جهات متعددة وخصوصاً ما حصل من تغير وتحول في طرق الملاحة التجارية العالمية في القرن السادس عشر، حيث بدأت الجهات الأطلسية الغربية تتأثر بالملاحة العالمية التي أحدثتها الكشوف الجغرافية وكانت الملاحة البرتغالية تتحكم فيها تحكماً كبيراً[3].
وقد كان للوضعية الاقتصادية الصعبة أثرها الكبير في اضطراب المجتمع المغربي وانتشار كبير لشيوخ الزوايا وطرق التصوف وانقسام كبير للمغرب إلى جهات مختلفة ومتصارعة، بالإضافة إلى ما عاشه المغرب من تموجات وحروب قبلية وتحالفات كبرى متنافسة فيما بينها وانعزالا لعدة أجناس بشرية في المناطق المغربية، وانفصام في البنية الاجتماعية القبلية، وتشتيت لواقع السلطة المغربية. شكلت قبائل عرب المعقل وبعض قبائل بني هلال القوة العصبية التي كان بإمكانها منافسة قبائل بني مرين على السلطة بالمغرب الأقصى، لأن هاتين المجموعتين القبليتين كانتا من أوفر قبائل المغرب عدداً وقتئذ واحتكتا بمجال واحد ابتداءاً من منتصف القرن السابع الهجري/ الثالث عشر الميلادي، حيث هيمنت القبائل المعقلية على مدن وبوادي المناطق الجنوبية، لكنها لم تخضع لزعامة موحدة[4].
وقد صادف كل هذا بداية نهاية عصر القوة المرينية التي وطدت في المجتمع المغربي مظاهر الحياة الدينية الروحية التي استمرت بعد ذلك في المغرب، فكان الوضع منذ بداية بني مرين يتجه نحو تركيز نظم وطبائع التصوف السني المغربي إلى جانب حياة الطرق الصوفية وتنظيم الزوايا لحياتهم الروحية. ولعل أهم مظهر ديني في هذه الفترة يتجلى في ترسيم الاحتفال بعيد المولد النبوي الذي بدأ الاحتفال به في سبتة مع العزفيين حوالي 691 ﻫ\1292 م في أيام أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني وقد عمل فقهاء المغرب ورجال التصوف على إعطاء موعد الاحتفال بالمولد النبوي صيغة وطبيعة رسمية تأخذ أبعادها في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كل سنة هجرية..
يتبع في العدد المقبل…
—————————
1. ابن أبي زرع، علي الفاسي، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار المغرب وتاريخ مدينة فاس، تحقيق عبد الوهاب ابن منصور، الرباط، دار المنصور للطباعة والوراقة 1972، ص: 408-409.
2. ابن أبي زرع، المصدر السابق، ص: 413.
3. حافظي علوي، حسن، سجلماسة وإقليمها في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، الرباط، منشورات وزارة الأوقاف، 1418 ﻫـ/ 1997 م، ص: 235.
4. نفس المرجع، ص: 201.
أرسل تعليق